
الصحفي عصام أبومدينة.. يكتب
مناوي بين الشائعات وإرباك الصف الوطني
في خضم السيولة السياسية التي تشهدها الساحة السودانية، لم تسلم القيادات الوطنية من سيل الشائعات ومحاولات التشويش، حيث راجت مؤخرًا أنباء تزعم مغادرة حاكم إقليم دارفور القائد مني أركو مناوي للبلاد بشكل نهائي، خاصة بعد تكليف القيادي مصطفى تمبور، والي وسط دارفور، بمهام حاكم الإقليم إلى حين عودته من جولته الخارجية. وهي شائعات أثارت تساؤلات عديدة حول خلفياتها وتوقيتها.
لكن سرعان ما جاء نفي رسمي قاطع، يؤكد أن مناوي “في مأمورية رسمية خارج بورتسودان، وسيعود قريبًا”، واصفًا مطلقي تلك الشائعات بـ”السذج وأصحاب الأغراض”.
ما يستوقف المتابع في هذه الحملة من الشائعات ليس فقط مضمونها، بل توقيتها. ففي وقت يعاني فيه السودان من أزمة سياسية وأمنية خانقة، ومع تسارع الترتيبات الإقليمية والدولية بشأن مستقبل البلاد، تبرز محاولات متكررة للنيل من الرموز السياسية الفاعلة في المشهد.
مناوي، المعروف بدوره المؤثر في مسار دارفور ومشاركته الفاعلة في المرحلة الانتقالية، لطالما شكّل هدفًا للهجمات الإعلامية والانتقادات، خاصة من التيارات التي تعارض وجود قوى الكفاح المسلح في العملية السياسية.
التصريح الذي صدر لتفنيد الشائعة لم يكن مجرد توضيح عابر، بل حمل في طياته دفاعًا سياسيًا عن رمزية القائد وموقعه في اللحظة الوطنية الراهنة. حيث شدّد على أن “الشائعات أداة بائسة في معركة أصحاب الأجندات”، مؤكدًا أن هذه القيادات باقية في قلب المعادلة السياسية، ولن تغادر الساحة في هذا التوقيت الحرج.
الرد الرسمي كشف أيضًا عن وعي بخطورة الحرب النفسية التي تُدار عبر الشائعات، خاصة حين تستهدف شخصيات بحجم مناوي، إذ لا يتعلق الأمر بغياب مؤقت بقدر ما هو محاولة لتقويض الالتزام السياسي والوطني.
وفي ظل صمت رسمي واسع تجاه الكثير من الشائعات، وتواطؤ بعض المنصات الإعلامية في نشرها دون تحقق، يبرز تحدي المسؤولية الإعلامية في هذه المرحلة، خاصة وأن الإعلام اليوم يُعد من أدوات تشكيل الوعي العام، وبالتالي فإن ترويج أو تفنيد الشائعات يُعد فعلًا سياسيًا بامتياز.
التوضيح الذي صدر يمثل مثالًا لخطاب مسؤول يواجه التشويش لا بالتجاهل بل بالكلمة المباشرة، ويؤكد على ضرورة سد الفجوات التي تنفذ منها الحملات المنظمة للتشكيك والإرباك.
والمتفحص للمشهد السوداني يدرك أن البلاد تمر بمرحلة دقيقة في تاريخها، وأن كل محاولة لتشويش الرؤية عبر الشائعات يجب أن تُفهم في سياقها السياسي، لا فقط الإعلامي. ومثلما ورد في التصريح: “نحن في مرحلة تتطلب تماسكًا لا تشتتًا”، فإن الحاجة اليوم إلى تضامن القيادات، ووعي الشارع، وتكثيف الجهود الإعلامية لمواجهة التضليل، تعد من ضرورات العبور نحو الاستقرار.