
بين خندق الوطن وغرف الفنادق
محمدابراهيم احمد سالم
في هذا البرد القارص حين تتجمد الأطراف وتتيبس الأرض هناك من يفترش الخنادق ويلتحف السماء قابضاً على سلاحه عيناه ساهرتان وقلبه معلّق بالوطن لا يعرف دفئاً غير حرارة الواجب ولا مأوى له سوى ثغره الذي يحرسه يقف في مواجهة الليل والبرد والخطر معاً لا يغمض له جفن لأن نومه قد يكون ثغرة وغفلته قد تكون ثمناً لأرواح الأبرياء نهاره امتداد لليله مقاتل شرس واهب حياته ودمه فداءاً لتراب هذا الوطن الجميل وإنسانه.
وعلى النقيض تماماً هناك من اختار الضفة الأخرى غرف الفنادق الفاخرة الإقامات الذهبية موائد الرفاه وأموال المنظمات يعيش بعيداً عن صوت الرصاص وصرخات النازحين ويتلقى دعمه من دويلة دفعت له ثمن العمالة والارتزاق ليبيع وطنه ويبرر قتل وتشريد شعبه تجده يساوي بين الجلاد والضحية ويبخس كل من يقف مع جيشه ويكيل الاتهامات الجاهزة يختبئ خلف شعارات زائفة ليغطي بها خيانة مكشوفة.
الفرق بين الطرفين لا يحتاج إلى كثير بيان هنا رجل يسهر ليله في برد الخنادق دفاعاً عن وطنه ومواطنيه وهناك من ينام هانئاً على حساب بيع ذمته ونفسه لمستعمر بغيض لا يرى في الأرض سوى غنيمة ولا في أهلها سوى عائق يجب إفراغه وتشريده هنا تضحية وواجب وشرف وهناك صفقة وارتزاق وخيانة.
إن معركة الوطن ليست مجرد سلاح في الميدان بل وعيٌ في الضمير وموقف لا يقبل المساومة والتاريخ لا يحفظ أسماء من باعوا أوطانهم في دهاليز الفنادق لكنه يخلّد أولئك الذين وقفوا في البرد والظلام والهجير وتحت زخات المطر حراساً للتراب وسداً منيعاً في وجه مشروع الاستعمار الجديد.
بين الخندق والفندق يظل الوطن يعرف أبناءه جيداً ويكتب شهادته بدماء الصادقين.











