مقالات

د. حسن شايب دنقس يكتب :من المسؤول؟

خرطوم سبورت

من المسؤول؟

 

ظاهرة غير صحية كتبت عنها في مرات سابقة لكنها الآن أصبحت تثير لدي الكثير من علامات الاستفهام ألا وهي لقاءات قادة الأحزاب السياسية السودانية بمسؤولين أجانب من دول مختلفة سواء داخل السودان أو خارجه فهي ظاهرة قديمة تتجدد في شتى الحقب و قد ألفت هذه الأحزاب اللقاءات حد الإدمان حتى أصبحت من سفر إنجازاتها و لم تجد هذه الظاهرة أي انتقاد خاصة من مجلس الأحزاب السياسية الذي ينظم عملها وفقاً للدستور والقوانين و اللوائح و النظم.

غالباً ما تعقد هذه اللقاءات خلف أبواب مغلقة أو في عواصم إقليمية ودولية حتى أضحت دائمة في تحركات النخب الحزبية وتعكس أزمة عميقة في الفهم الوطني للدور السياسي ومسؤوليات القوى الحزبية تجاه الشعب والدولة.

من حيث الشكل تبدو هذه اللقاءات وكأنها سعي دبلوماسي مشروع في إطار العلاقات الدولية والتواصل مع المجتمع الدولي غير أن تكرارها وغياب الشفافية حول طبيعتها وأهدافها والنتائج التي تترتب عليها يجعل منها ظاهرة غير صحية تنذر بإضعاف استقلالية القرار الوطني فالأصل أن الأحزاب السياسية تعمل من خلال مؤسسات الدولة لا من خارجها أو بالتنسيق المباشر مع أطراف أجنبية خاصة و البلاد تمر بأزمات معقدة حيث تتقاطع الأطماع الإقليمية والدولية مع حالة الانقسام الداخلي.

المثير للقلق أن هذه اللقاءات باتت تستخدم من بعض الأحزاب كأداة لتعزيز نفوذها السياسي الداخلي و كوسيلة للضغط على الحكومة مستندة إلى دعم خارجي صريح و ضمني وهذا المنحى يعمق من حالة الارتهان للخارج ويكرس لفكرة أن الحلول الوطنية تصاغ في الخارج وليس من داخل البلاد وبين الأطراف الفاعلة على الأرض.

تأتي هذه الظاهرة أيضاً على حساب الشفافية والمحاسبة فقلما تنشر تفاصيل هذه اللقاءات أو يتم تقديم توضيحات للرأي العام حول ما دار فيها ولا توجد حتى الآن معايير أو ضوابط تنظم طبيعة العلاقات بين الأحزاب السياسية السودانية والجهات الأجنبية مما يفتح الباب واسعاً أمام الشكوك والمخاوف من تدخلات مباشرة أو غير مباشرة في الشأن الداخلي عبر قنوات حزبية.

وفي ظل حالة عدم الاستقرار السياسي في الدولة تصبح الساحة السياسية مكشوفة لتجاذبات إقليمية ودولية يمكن أن تستغل حالة الضعف والانقسام لتغذية مصالحها على حساب استقرار السودان وسيادته كما أن هذا المسلك السياسي يساهم في ترسيخ ثقافة التبعية ويضعف الثقة في قدرة القوى الوطنية على التوافق وحل الأزمات بعيداً عن وصاية الخارج.

تصحيح هذا المسار يتطلب مراجعة وطنية صريحة من قبل الأحزاب السياسية وموقفاً مسؤولًا ينطلق من إدراك أن القضايا الوطنية لا تحل إلا بالحوار السوداني ـ السوداني وبأن الدعم الخارجي لا ينبغي أن يتحول إلى وصاية أو أداة لتحقيق مصالح حزبية ضيقة ويقع على عاتق القوى السياسية أن تعيد الاعتبار للقرار الوطني المستقل وأن تدرك أن الشرعية الحقيقية تكتسب من الشعب من خلال صناديق الاقتراع.

 

دكتور/حسن شايب دنقس

مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى