
الذكرى الثانية لإعتقالي
تمر اليوم الذكرى الثانية لخروجي من معتقل مليشيا الدعم السريع سنتان مرت بين طرفة عين وانتباهتها انطوت على معنى أبعد من مجرد تاريخ عابر ومحطة شخصية كانت امتحاناً قاسياً للإرادة وكشفاً مؤلماً لحقيقة أن بلادنا لا زالت ترزح تحت وطأة أطماع الداخل والخارج وتجسيداً صريحاً لأزمة الوطن الذي تفتك به مليشيا الدعم السريع ويصمت فيه المجتمع الدولي.
تجربة الاعتقال خارج إطار العدالة حيث لا تهمة واضحة ولا محاكمة ولا حقوق رأيت وجوهاً أنهكها الخوف والجوع وسمعت حكايات تفيض بالوجع وعاينت بأم عيني كيف يمكن للإنسان أن يسحق لمجرد أنه تمسك برأيه حيث لا مجال لتدافع عن نفسك كانت المحنة شديدة لكن في قلبها ولدت معان عميقة ففي العزلة تعلمت أن أثمن ما يملكه الإنسان هو حريته وفي المواجهة أدركت أن الكلمة الحرة قد تسجن و تقتل لكنها لا تموت وفي العذاب تجلت لي معاني الصبر والثبات وتعمقت قناعتي أن التغيير للأفضل لا للأسوأ.
الذكرى الثانية ليست للاحتفال فهي دعوة لنفسي للتأمل في ما آل إليه حال بلادي ولا تزال المليشيا تتصرف بمنطق اللامنطق و قد باعت السودان بثمن بخس دراهم معدودة و إن كانت في نظرهم ملايين الدراهم لأن الوطن أغلى وأسمى و أثمن.
هذه الذكرى لن تكفي فيها النجاة الفردية إن ظلت البلاد أسيرة الخوف والتمزق فالأهل في كردفان و دارفور يعانون من بطش المليشيا لذا النجاة الشخصية لا تكتمل إلا بتحولها إلى دافع للعمل الجماعي لذا عاهدت نفسي أن أوثق و أكتب حتى لا تنسى الجرائم ولا يضيع صوت المظلومين في زحمة التواطؤ والتغافل.
إن من خرج من السجن لا ينبغي أن يعود إلى الصمت فعليه أن يكون صوت من لم يكتب لهم الخروج وعليه أن يحول تجربته إلى منصة للدفاع عن الحق وعن وطن لا يعتقل أبناءه ولا يحكمه الرصاص.
في هذه الذكرى أرفع قلمي لا ليصف الألم لكن لأقرن الألم بالأمل وأني رغم الجراح لا زلت أحلم بوطن تسوده العدالة وتعلو فيه الكرامة وتمحى فيه المليشيات ليعود السودان وطناً لكل أبنائه.
د/حسن شايب دنقس
مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية