
متى تنضج القوى السياسية السودانية؟
يبدو أن النضوج السياسي والفكري للقوى والتيارات السياسية السودانية لا يزال دون المستوى المطلوب لمجابهة التحديات الوطنية المتراكمة فالممارسة السياسية عند كثير من هذه القوى ما تزال أسيرة لخطاب خارجي لفكرة الاستنجاد بالمجتمع الدولي بدلاً من بناء إرادة داخلية تستند إلى حوار وطني جاد وآليات حكم مستقلة وفاعلة هذا النمط من الخطاب يكشف هشاشة في البنية الفكرية للأحزاب السياسية السودانية و قد تناولته في رسالتي لنيل درجة الدكتوراه بأنها عاجزة عن إنتاج رؤية وطنية متكاملة تستجيب لتعقيدات الواقع في البلاد .
ما قادني إلى هذا الموضوع هو حديث مني أركو مناوي واتهامه الحكومة بالبرود في التعامل مع العمليات العسكرية الجارية في البلاد و لعله يقصد كردفان و دارفور أجد أنه يعبر عن عمق الفجوة في التنسيق السياسي بين أطراف الحكم تصريح مناوي إلى امتلاكه الحرية في الجغرافيا والشعب يكشف غياب الحد الأدنى من الانسجام داخل منظومة الحكم و أن العمل السياسي بلا رؤية فاعلة.
هذا الواقع ينبئ بأن أحد أكبر الإشكالات في السودان هو غياب مركز فعلي لصنع القرار سواء على مستوى السلطة الانتقالية و الأجسام السياسية المنخرطة في الحكم فبدون وجود مركز متماسك وفاعل قادر على صياغة استراتيجيات وطنية تصبح الدولة عرضة للتجاذبات المناطقية والولاءات الجزئية التي تضعف مناعتها وتكرس الانقسام في غياب هذا المركز تغيب الرؤية الشاملة لمفهوم الأمن القومي ويتحول العمل السياسي إلى ردود أفعال منفلتة من أي إطار مؤسسي.
القوى السياسية في السودان بحاجة إلى مراجعة عميقة لطريقة تفاعلها مع مفاصل الدولة بدءاً من العلاقة مع مجلسي السيادة والوزراء وصولاً إلى صياغة خطاب وطني يعلي من مصلحة الدولة على حساب الحسابات الحزبية أو المناطقية.
أعتقد أن طرح قضايا البلاد بأسلوب متشظ هو مهدد للأمن القومي و يفاقم من ضعف الدولة في محيط إقليمي و دولي معقد وتحديات داخلية متنامية.
من خلال قراءتي لسرديات العملية السياسية في البلاد بعد الاستقلال و أسباب عدم الاستقرار السياسي و الإشكالات الناجمة عنها خرجت بنتيجة أنه لا بد من إعادة النظر في شكل حكم البلاد الذي أضحى أولوية لا غنى عنها في مرحلة ما بعد الحرب خاصة أن الدولة لم توظف بعد تنوعها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بوصفه عنصراً للقوة والوحدة فالنظام الفيدرالي يمكن أن يكون خيار واقعي قادر على استيعاب هذا التنوع شريطة أن يتم تصميمه بطريقة تمنح الأقاليم سلطات حقيقية وتمكنها من إدارة شؤونها ضمن إطار وطني جامع يعزز فرص التنمية المتوازنة ويقلل من النزاعات الناتجة عن التهميش والتفاوت لعله يصلح واقعنا السياسي الغير رشيد.
دكتور/حسن شايب دنقس
مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية