
عصام أبومدينة يكتب :
قوة دارفور الموحدة… فرصة لفك الحصار أم فصل جديد في الصراع؟
يشهد إقليم دارفور واحدة من أكثر المراحل تعقيداً في تاريخه الحديث. فمدينة الفاشر، عاصمة الإقليم، تدخل عامها الثالث تحت الحصار الذي تفرضه مليشيا الدعم السريع المتمردة، في ظل تدهور متسارع للأوضاع الإنسانية، وتراجع فرص الإغاثة، وانحسار مساحات الأمان. وفي خضم هذا الواقع الضاغط، جاء إعلان ولاة ولايات الإقليم، عقب اجتماعهم مع نائب الحاكم مصطفى تمبور، عن تشكيل قوة قتالية موحدة للمشاركة في عمليات فك الحصار وحماية المدنيين ودعم التكايا، ليشكل تطوراً لافتاً في مسار الأزمة.
هذا الإعلان، رغم ما يحمله من أمل في استعادة السيطرة ورفع المعاناة عن سكان الفاشر، يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول موقع هذه القوة على خارطة الصراع الحالية. فالإقليم لا يخلو من وجود قوى نظامية وعلى رأسها الجيش والقوات المشتركة التي تقاتل إلى جانبه في معركة الكرامة ، التي تعد المخولة أساسًا بالتصدي للمخاطر الأمنية. وهنا يبرز السؤال: هل ستكون القوة الموحدة ذراعاً مساندة للجيش ضمن خطة منسقة، أم ستعمل بهيكل منفصل قد يخلق ازدواجية في القرار العسكري ويضيف طبقة جديدة من التعقيد للمشهد الأمني؟
إن تشكيل قوة جديدة في بيئة مضطربة مثل دارفور لا يمكن النظر إليه كخطوة عسكرية بحتة، بل كقرار سياسي وأمني في آن واحد، له تداعيات قريبة وبعيدة المدى. فمن ناحية، قد تمنح هذه الخطوة الولايات قدرة أكبر على حماية المدنيين وفك الحصار في ظل التحديات الراهنة. لكن من ناحية أخرى، فإن تعدد الكيانات المسلحة – ولو اتحدت أهدافها – يظل أمراً حساساً يحتاج إلى ضوابط صارمة تضمن وحدة القيادة وتمنع الانفلات أو تضارب الصلاحيات، خصوصاً في منطقة لها تاريخ طويل من تعدد مراكز القوة.
عند النظر إلى تجارب مناطق النزاع حول العالم، نجد أن القوى المحلية أو الإقليمية نجحت أحيانًا في لعب دور حاسم، كما في بعض ولايات شمال نيجيريا حين جرى دمجها في مؤسسات الدولة وخضوعها لقيادة مركزية واضحة. لكن تجارب أخرى، في دول مثل ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، وحتى السودان بعد تمرد الدعم السريع أثبتت أن غياب التنسيق والرقابة قد يحوّل هذه القوى إلى أطراف إضافية في الصراع، ما يطيل أمد الأزمات بدل أن يضع حداً لها. ومن هنا، فإن التحدي الأكبر أمام قوة دارفور الموحدة سيكون في قدرتها على أن تكون أداة فعّالة للدولة، لا كيانًا موازياً لها.