الاخبار

عصام أبومدينة يكتب: شمال كردفان بين المعاناة والأمل: دلالات زيارة المفوض العام للعون الإنساني

خرطوم سبورت

 

عصام أبومدينة يكتب: شمال كردفان بين المعاناة والأمل: دلالات زيارة المفوض العام للعون الإنساني

في لحظة يتنازع فيها الناس بين ضيق المعاش وقسوة النزوح ووعورة الطريق، جاءت زيارة المفوض العام للعون الإنساني الأستاذة سلوى آدم بنية أمس القريب إلى ولاية شمال كردفان، وكأنها نفَس جديد يُبث في رئةٍ أرهقها غبار المعاناة. لم تكن الرحلة بروتوكولاً جامداً، ولا جولةً عابرة للتصوير والإعلام، بل كانت أقرب إلى شهادة حضور حيّة من مسؤول أراد أن يكون مع المواطن لا فوقه.

لقد اختارت المسؤولة أن تضع قدميها في الميدان، بين معسكرات النزوح وفضاءات الحاجة، حيث تروي الأرض قصصاً دامية عن أسر فقدت المأوى، وأطفال يلاحقون شبح الجوع، ونساء يتشبثن بأمل ضئيل في غدٍ أفضل. وهناك، وقفت بنفسها على معاناة النازحين، وأصغت لشكاواهم، وأعلنت التزامها بتذليل العقبات التي تعترض حياتهم اليومية. وهنا ينعقد الرجاء بأن تنعكس هذه الوعود على أرض الواقع، لتضمن للنازحين عيشاً كريماً يصون كرامتهم، ريثما يعودون إلى مناطقهم معززين مكرمين.

ولعل أهم ما يميز الزيارة أنها لم تُعزل عن مؤسسات الدولة، إذ جرى تنسيقها الدقيق مع حكومتي شمال وغرب كردفان، بما يعكس وعياً بأن العمل الإنساني لا يكتمل إلا بالشراكة والتكامل في الأدوار.
ولئن كانت المساعدات الإنسانية في جوهرها استجابة عاجلة لاحتياجات ملحة، فإن أفق الزيارة يتجاوز حدود العون اللحظي، ليفتح مساراً نحو تنمية أكثر رسوخاً واستقراراً. فاللقاءات التي أجريت مع قيادات الولايتين لم تكن لمجرد التشاور، بل لبحث سبل تحويل العون إلى قاعدة انطلاق لمشاريع تنموية: مصادر مياه آمنة، دعم لسبل كسب العيش، وتقوية للخدمات الأساسية التي تحفظ للإنسان كرامته.

إن لهذا التحرك أيضاً أثراً رمزياً لا يقل عن بعده العملي؛ فهو يحمل رسالة إلى أهل كردفان بأنهم ليسوا على هامش الاهتمام الوطني، وأن الدولة تطرق أبوابهم بأيدٍ مفتوحة، لا بوعود مؤجلة. ولعل هذا البُعد المعنوي هو ما يمنح الزيارة قيمتها الأعمق، إذ يُعيد بناء الثقة التي لا غنى عنها بين المواطن والسلطة.

لقد أثبتت التجربة أن القيادة الإنسانية ليست شعارات تتردد، بل حضور فعلي في قلب المعاناة، واستعداد لتحويل الأقوال إلى أفعال. وهكذا، فإن ما جرى في كردفان لا يُسجَّل في دفتر المراسم، بل يُكتب في ذاكرة الناس كبذرة أمل، تحمل في جوفها وعداً بأن الغد – مهما اشتد ظلامه – يمكن أن يُولد أكثر إشراقاً حين تتضافر الإرادة مع الفعل، وحين يجد الإنسان من يقف إلى جواره لا ليتحدث عنه، بل ليحمل معه بعضاً من عبء الطريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى