
الرباعية.. لعبة الظلال وسر السلام المختفي
رشان أوشي
حالياً، أصبح على السودانيين توقع أي شيء من القوى الدولية التي ترفع شعارات السلام والحرية، وتغض الطرف عن المجازر في غزة بالأصالة وفي السودان بالوكالة. لذلك، علينا بناء توقعاتنا على ما يمكن تحقيقه ضمن أفق سياسي عملي، بعيداً عن الأطروحات غير الواقعية.
استناداً إلى موقف “اللجنة الرباعية”، نحن على مشارف مرحلة جديدة تشبه تلك التي سبقت 15/أبريل/2023م.
الانكسارات الكبيرة لمعسكر الإمارات في السودان، ممثلاً في “مليشيا الدعم السريع” وحلفائها، ستعيد تفعيل النشاط السياسي والدبلوماسي للرعاة الدوليين لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. سبق أن شاهدنا حالات مماثلة في “جدة” و”جنيف”، ولكن الجديد هذه المرة هو تماهي “مصر” وتبني “السعودية” لرواية الإمارات في المساواة بين الجيش الوطني والمليشيا بشكل علني.
تبني السعودية لرواية الإمارات في المساواة بين الجيش الوطني ومليشيا الدعم السريع يعكس أن أي موقف يصدر عن اللجنة الرباعية هو نتيجة مساومات داخلية بين السعودية والإمارات. السعودية حريصة على عدم إظهار خلاف علني مع الإمارات في ملف السودان، إذ تمتلك نفوذًا مباشرًا على مليشيا الدعم السريع، ولا ترغب السعودية في كسر هذا التوازن، خصوصاً أن أي صراع دبلوماسي قد يضعف دورهما ومطامعهما المشتركة ويفسح المجال لتدخلات أخرى (تركيا، قطر، أو حتى روسيا)، وما يربطهم من علاقة ونفوذ مباشر على جماعات “الإسلاميين” في السودان.
البحر الأحمر وأمن الملاحة يمثلان أولوية قصوى للسعودية، وأي انتصار كاسح للجيش قد يهدد مشاريعها ويفسح المجال لمنافسين آخرين مثل إيران للسيطرة على الساحل السوداني. وفي الوقت نفسه، يرى الغرب أن انتصار الجيش قد يعيد الإسلاميين الراديكاليين إلى الحياة السياسية، وهو ما يجعل السعودية، باعتبارها الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، غير قادرة على تجاهل هذه المخاوف.
أما موقف “مصر”، فيبدو ناتجاً عن مخاوف أمنية حدودية، ونمو نفوذ “حفتر” وامتلاك حكومته الموازية في ليبيا طيراناً حربياً، إضافة إلى تمدد نفوذ دول أخرى في الشأن السوداني، ما يشكل تهديداً للقوة التقليدية لمصر في السودان.
الفترة المقبلة ستشهد نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً لحلفاء المليشيا المحليين والدوليين، ضمن عملية حشد تأييد دولي واسع لمشروع “الرباعية”، الذي يسعى لجعل مليشيا “الدعم السريع” كياناً قائماً، حتى وإن رفضه الشعب السوداني.
مواجهة مواقف الرباعية تتطلب أدوات جديدة، ويجب أن تدرك القيادة العسكرية أهمية دور القوى السياسية الحليفة. بناء جبهة سياسية موحدة قادرة على التفاوض باسم الوطن يشكل الدرع الأول ضد أي تدخل خارجي، إلى جانب خروج تلك القوى من دور المتأثر إلى دور الفاعل، بدلاً من ترك الساحة الدولية لروايات حلفاء المليشيا.
القيادة العسكرية مطالبة بإدراك أن استمرارها في احتكار القرار السياسي لن يؤدي إلا إلى زيادة الضغوط. من الضروري منح رئيس الوزراء “كامل إدريس” دوراً أكبر في الحراك الدبلوماسي، وإتاحة الفرصة له لمواجهة المجتمع الدولي والتواصل معه بشكل كامل
كما أن سياسة “النعامة” التي تنتهجها القيادة العسكرية في مواجهة التدخلات الخارجية ستزيد الضغوط الداخلية. ولا ينبغي أن ننسى أن المنطقة شهدت أنظمة سادت ثم بادت، كانت تعتمد على وعود الغرب الكاذبة.
محبتي واحترامي