مقالات

بكري البر يكتب: جدل حول الهُوية

خرطوم سبورت

بكري البر يكتب…

من الملاحظ أن الجدل حول الهُوية أصبح صفة ملازمة لهذا العصر.

اليابانيون في حوار بينهم حول موقعهم و تاريخهم يجعلهم آسيويين و ثروتهم و ديقراطيتهم يجعلهم غربيين و بطريقة اخري نري الجدل حول الهُوية في جنوب افريقييا و الصين/تايوان و سوريا و البرازيل و كندا و الجزائر و تركيا…

ازمة هُوية مستمرةة و ستستمر لتوفيق الاوضاع الثقافية و الاثنية في المجتمعات.

بدأت في السودان صحوة فكرية حداثوية برزت من خلالها مدرسة الغابة و الصحراء في بداية الستينات من القرن الماضي.. كانت تلك الصحوة مدركة لقضية الهُوية و طرح هذا المفهوم في الفضاء الثقافي الذي كان مهيأ لتلقي الافكار نتيجة الانفتاح و الاتصال بثقافات اخري من خلال الاطلاع و السفر خارج السودان و الاستكشاف و التلقي للافكار الجديدة….
سبقت مدرسة الغابة و الصحراء الساسة السودانيين في تقديم تصور حداثي عن الهُوية في قالب ادبي مستصحبا نظرية المجتمعات المتخيلة ل بندكت اندرسون و كيفية نشوء تلك المجتمعات
Imagined communities.

يعيش في السودان ٥٧٠ قبيلة، مقسمة الي ٥٧ فئه و يتحدثون ١١٤ لهجة محلية، و يشتركون في التحدث بالعربية الدارجة.

في إحصائية للتنوع الإثني في السودان مصدره روزمانة العالم ٢٠١٠ الصادرة في نيويورك ص ٨٤

٥٢/ أفارقة
٣٩/ عربي
٧/ قبائل البجة في الشرق.

لمدرسة الغابة و الصحراء إتجاه في الادب السوداني يحث علي تحذير الكيان القومي و الثقافة و الهُوية السودانية لتعزيز الانتماء الوطني و تعميق الولاء و الحفاظ علي التراث و التاريخ الثقافي من منطلق ثنائية الافروعربية… من حيث اللون و الشكل و الجينات سوداني افريقي ناطق بالعربية و الاسلامية.

أبرز مؤسسي مدرسة الغابة و الصحراء:
محمد المكي ابراهيم
النور عثمان أبكر
محمد عبدالحي
عبدالله شابو
علي المك
يوسف عيدابي
اسحاق ابراهيم
و إنضم اليهم لاحقا كل من :
صلاح احمد ابراهيم
مصطفي سند
و شيخهم جميعا
محمد المهدي المجذوب

بعض من مؤسسي الغابة و الصحراء كانوا يميلون للأثر الافريقي و تغليبه علي الأثر العربي كالنور عثمان أبكر

مواد الغابة و الصحراء
من هذا الطافر كالجبل الأسمر كمنارة ساحلنا الأزرق
رجلٌ أوقظ؟ مرآب الأعمار الأولي

أما صلاح احمد ابراهيم فكانت ميولة العربية اكثر
أنا من افريقيا
صحرائها الكبري خط الاستواء
شحنتني بالحرارات الشموس
وشوتني كالقرابين علي نار المجوس
لفحتني فأنا منها كعود الابنوس

لعله يرمز هنا لنظريه الحتمية البيئية environmental determinism
و كيف أن البيئة تؤثر في تكوّين اللون و البنية الجسدية.
يأتي دور شاعرنا الكبير محمد المكي ابراهيم بأخذه مكان وسطيا بين الغابة و الصحراء في رائعته بعض الرحيق أنا و البرتقالة انتٍ
و بعض اقوالي امام الله… التي ستلقيها علي مسامعكم الاستاذة مزاهر حسين.

أما في مجال الادب الروائي كان اثر الغابة و الصحراء بائنا في روايات الأديب الطيب صالح …ففي موسم الهجرة الي الشمال عندما سألت إيزبيلا سيمور مصطفي سعيد بطل رواية موسم الهجرة الي الشمال:
انت افريقي أم آسيوي؟
فأجابها أنا مثل عطيل، عربي افريقي…فنظرت الي وجهه و قالت: نعم انفك مثل أنوف العرب في الصُور و لكن شعرك ليس فاحِما مثل شٓعر العرب، مصطفي سعيد نتاج تمازج فوالدة من العبابدة و أُمه من الزاندي. كما في رواية بندر شاة-ضوالبيت و شخصية الطاهر ود الرواس… والده كان رقيقا و أُمه حواء بت العريبي من الكبابيش.

كان شعر الغابة و الصحراء راقيا في مفرداته و مازج بين الفصحي و الموروث اللغوي المحلي في استخدام جميل للغة و ذلك ما كان يدعوا له الشاعر حمزة الملك طمبل في كتابة (شعر و أدب من صميم المجتمع السوداني و ذلك في ثلاثنيات القرن الماضي.

نفس نهج المصريين في الادب الروائي و مزج الفصحي بالعامية المصرية و الموروث الشعبي.. فالقاص المصري يحي حقي جسد هذا الفهم في روايتة (قنديل أم هاشم) و كذلك الروائي نجيب محفوظ في جُل رواياته.

لم تأت مدرسة الغابة و الصحراء بمنهجية في كيفية تطبيق مفهومهم التمازجي علي الفكر السياسي السوداني و يرجع ذلك الي أن شعراء مدرسة الغابة يعتمدون علي التعبير برمزية الحروف و ابي اعتمادا علي علم السياسة و الاجتماع و الانثروبولجي، و لا يفتقرون في اختلاق رافعة لافكارهم في المجال السياسي، بفعل تشريعي و دستوري علي أرض الواقع.
و اختم بإقتباسين فيهما تلخيص لمجمل الورقة:

الاول ت. س. اليوت:
(ينبغي لشعب ما ألا يكون مُفرّطا في الوحدة … أو مُفرّطا في الانقسام و التنوع، اذا كان يراد لثقافتة أن تزدهر.
و يقول أنطون تشيخوف في روايتة شيطان الغابة:
( إن ما يحدث الدمار في العالم ليس القتلة و اللصوص، و لكنه الحقد الدفين و العداوة بين الطيبين من الناس، و المنازعات التافهة… فهلا اعنتني علي مصافحتهم فردا فردا… لا يمكنني أن أحقق شيئا بمفردي.)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى