
عثمان ميرغني يكتب: المعركة المزمنة
المعركة المزمنة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل تدور حول محور البرنامج النووي الإيراني، الذي تثار حوله شبهات حول نية إنتاج قنبلة نووية. ومن هنا يبرز السؤال الذي يجدر أن يُطرح على طاولة النقاش بهدوء، بعيدًا عن العواطف والهتافات والشعارات: هل إيران بحاجة إلى قنبلة نووية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا وضد من؟
الافتراض الأول أن هذا السلاح يهدف إلى ردع إسرائيل. ومن المنطقي النظر إلى إمكانية استخدام مثل هذا السلاح في ضوء المعطيات التالية: إسرائيل دولة صغيرة المساحة والسكان، حيث تبلغ مساحتها حوالي 20 ألف كيلومتر مربع، أي أصغر من ولاية الخرطوم التي تبلغ مساحتها حوالي 22 ألف كيلومتر مربع. عدد سكان إسرائيل اليهود يبلغ حوالي 6 ملايين، بينما يبلغ عدد العرب حوالي 2 مليون، أي ما يعادل 21% من إجمالي السكان. خارطة إسرائيل تمتد طوليًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بعمق بري ضيق للغاية يمتد من حدود الضفة الغربية إلى البحر. وجود مدينة القدس والمقدسات الأخرى يجعلها مناطق آمنة من الاستهداف النووي.
هنا يبرز السؤال: كيف يمكن استخدام السلاح النووي في هذه المساحة الضيقة مع وجود الفلسطينيين فيها؟ منطقيًا، استخدام السلاح النووي سيؤدي إلى دفع دول الجوار – لبنان وسوريا والأردن ومصر – ثمنًا باهظًا، إلى جانب العرب في غزة والضفة الغربية وأراضي 1948. عمليًا، استخدام السلاح النووي غير وارد في المنطقة. وبالتالي، يتجدد السؤال: ضد من ستستخدم إيران قنبلتها النووية؟
من السهل استنتاج أن تركيز إيران على قوتها العسكرية من خلال إنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها قد يكون أكثر جدوى من إهدار الموارد في برنامج نووي غير قابل للاستخدام عسكريًا. وقد تجلى ذلك بوضوح في المعارك الدائرة حاليًا، حيث نجحت إيران في الوصول إلى العمق الإسرائيلي وتشكيل تهديد حقيقي لقدرات إسرائيل العسكرية دون الحاجة إلى سلاح نووي، إن وُجد.
لو ركزت إيران على بناء محور استراتيجي على غرار النموذج الصيني، القائم على التفوق التكنولوجي والعمراني والاقتصادي، لكان ذلك أكثر تأثيرًا من السلاح النووي. كما أن ذلك كان سيفيد العرب والمسلمين، بدلاً من رعاية أذرع في العالم العربي تسببت في زعزعة الاستقرار وصرف الانتباه عن تحديات النهضة، وأدت إلى سباق تسلح أفقد العرب موارد مالية هائلة.
من الحكمة أن تعيد إيران النظر في نهجها السياسي ومنظورها الاستراتيجي، وأن توقف برنامجها النووي العسكري وتحوله إلى إنتاج الطاقة الكهربائية، مما يساهم في دفع النهضة الاقتصادية والمنافسة العالمية في المجال الحضاري.