
بيان مشترك
أصدرت أربعة أحزاب سودانية رئيسية، وهي:
1.حزب الأمة القومي
2.حزب التجمع الاتحادي
3.حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل
4.حزب المؤتمر السوداني بيانًا مشتركًا أمس.
بعد مقدمة طويلة تضمنت حزمة مبادئ عامة لا يختلف عليها أحد ولم تكن يومًا محل جدل في الوسط السياسي، جاء في الفقرة الخامسة من البيان: (التأكيد على أن القوى السياسية والمدنية ذات المشروع الوطني المستقل، الذي يتمثل في ثورة ديسمبر المجيدة وأهدافها، يجب ألا تصطف بأي شكل من الأشكال مع أي طرف من أطراف الحرب تفكيك هذه العبارة يعني ان هذه الأحزاب الرئيسية والمهمة في الساحة السياسية السودانية ترفض الاعتراف بالجيش السوداني كقوة شرعية مهمتها الدفاع عن البلاد من المخاطر الداخلية والخارجية، أو استخدام القوة لمنع انهيار الدولة. فهي تنص بشكل قاطع على أنها (لا تصطف بأي شكل مع أي طرف). هذا الموقف يعني عمليًا أن هذه الأحزاب غير معنية بمن يسيطر على الأوضاع، سواء انتصر أحد الأطراف أو انكسر. فإذا دانت الأمور – على سبيل المثال – لقوات الدعم السريع وسيطرت على السلطة، فإن ذلك لا يشكل فارقًا بالنسبة لهذه الأحزاب.
أشرت مرارًا إلى هذا الخلل الكبير في فهم بعض الأحزاب الرئيسية لهذه القضية، حتى بات من الصعب تمييز ما إذا كان هذا الموقف ناتجًا عن قصور في الفهم أم عن تبني رؤية ترى في الجيش السوداني منافسًا سياسيًا يجب إزاحته واستبداله بقوة عسكرية أخرى. ومع ذلك، أجد نفسي مضطرًا لإحسان النية وتبسيط شرح المسألة لقيادات هذه الأحزاب. أبدأ بالإشارة – مكررًا – إلى ما قاله الرئيس الإريتري إسياس أفورقي خلال لقائنا به في أسمرا في سبتمبر 2024، حيث قال بعبارة واضحة وصريحة: (جيش الكيزان، جيش الشيطان، هو في الواقع جيش السودان. تقف معه حتى تعبر الضفة الأخرى، ثم من كانت له رؤية فليجهر بها.)
أقول لهذه الأحزاب، مع كامل التقدير، إن الأمر لا يحتمل الاختباء خلف شعارات أو عبارات مبهمة. الواقع الراهن هو حرب حقيقية، لم تعد خيالًا أو افتراضًا أو تنبؤًا. الحرب تدخل شهرها الثالث في عامها الثالث، ولا أحد يعلم متى ستخمد نارها. ما أنتجته هذه الحرب على الأرض لا يقبل الجدل. المشهد الذي نراه – بغض النظر عن قضية الشرعية – يثبت أن تمرد قوات الدعم السريع تسبب في دمار هائل في كل المناطق التي سيطرت عليها، حتى تلك التي لم تلبث فيها سوى أيام معدودة. الدمار ليس كله ناتجًا عن المعارك أو الآلة الحربية. الكثير منه ناتج عن سلوك منهجي يقوم على السرقة والتخريب، مثل نزع شبكات الكهرباء من محولات وكابلات ومعدات في مناطق شاسعة. هذا ليس مجرد فعل متفلت أو سرقة عشوائية، بل دليل على أن قوات الدعم السريع غير قادرة على إدارة مدينة أو قرية أو حتى حي صغير. لا يمكن لأحد أن يتخيل كيف يمكن أن تقوم دولة إذا سيطرت مثل هذه القوات على الوطن بأكمله. إذا كانت هناك أحزاب أو سياسيون ينظرون إلى هذه النتائج كاحتمال مقبول، فهذا يعني قبولهم بمحو السودان من خارطة الوجود.
الأمر هنا لا يتعلق بصراع سياسي أو أيديولوجي أو أي معيار آخر. إنه دليل قاطع على مستوى الرشد والانتماء لدولة السودان وشعبها. السودان يواجه أزمة مركبة وحربًا ضروسًا مصيرية، في وقت لا تبدو فيه الأحزاب السياسية راغبة أو قادرة على الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية التي تتطلب التسامي فوق كل ما يهدد البلاد.