
انتصار بارا..ونكبة الاعلام..
عثمان ميرغني
كما الوعد؛ استعاد الجيش السوداني والقوات المساندة له مدينة بارا في ولاية شمال كردفان. نقطة تحول كبرى في مسرح العمليات أشبه بما حدث في “جبل مويا”..وبقدر فرحة الشعب السوداني حتى في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة قوات الدعم السريع.. إلا أن التناول الاعلامي كشف الوجه الآخر لواقع متخلف كثيرا عن آلام وآمال السودان.
مع كثرة ما فاض في وسائط التواصل لكنه انحصر بشكل غالب في سياق أشبه بكرنفالات الألعاب النارية التي تطلق في المناسبات السعيدة.. و في أحيان بدا كما لو كان “تسجيل حضور” Attendance لمنصات أو أقلام في قائمة العمل الوطني دون اعتبار لمردوده.
العمل الاعلامي – في أي سياق أو قالب- ليس مجرد نص او صورة أو صوت بل رسالة مقصودة لتحقيق هدف محدد.. إذا غاب هذا الهدف في ذهن الصحفي و الاعلامي فهو كمن يحمل البندقية في مناسبة فرح ويطلق الرصاص في الهواء.. ضوضاء على أقل تقدير، و ربما اصابة بالخطأ قدتكون قاتلة بلا قصد.
الرسالة الاعلامية أشبه بالطائرة المسيرة.. تنطلق من قاعدتها قاصدة هدف معلوم بدقة.. تبحر في الفضاء لتصل إليه.. ثم تقاس بمقدار ما تحققه من أثر في الهدف.
كل تغريدة، أو مقال ، أو خبر ، أو أية مادة صحفية، أو مقطع فيديو أو صوتي.. لابد أن تكون مسبوقة بتحديد دقيق للهدف منها.. فإن كان القصد مجرد “أنا هنا”.. و “أنا أدعم الجيش” فهي مجرد فقاعة صوت رصاصة طائشة في حفل فرح كبير. ينتهي الهدف منها بانتهاء صدى صوت اطلاقها.
في العمل العسكري الميداني تتوزع المهام وتتنوع التشكيلات والأسلحة.. كل منها يؤدي دوره المحدد.. ولكنها تلتقي في صناعة النصر العظيم من حصيلة اتساق أهدافها.
كذلك العمل الاعلامي، تتنوع قوالبه وأساليبه ويبقى المحك في الهدف منه.
لنأخذ انتصار “بارا” نموذجا لدراسة حالة..
الهدف:
(1) تمديد النصر العسكري الميداني إلى قوة دفع معنوية في عدة دوائر متراكبة.. تبدأ بالدائرة الأصغر في المجموعات العسكرية على الأرض التي أنجزت النصر.. ثم تتوسع تدريجيا لكل المكونات العسكرية في المسارح الأخرى، “الفاشر مثلا”. ثم لكل الشعب السوداني في مختلف الداخل والمهاجر.
(2) الحرب النفسية: بدرجات متفاوتة.. العدو المقاتل في مسارح كردفان.. ثم في المناطق الأخرى.. ثم المجموعات المدنية الداعمة له.
(3) دعم السياسة الخارجية للسودان.
عند تصميم أو إعداد رسالة اعلامية، يجب أن يدرك صانعها في أي نطاق يقع الهدف المقصود بالرسالة.. تماما مثل تحديد هدف الطائرة المسيرة قبل اطلاقها.. لتحمل الرسالة كل المؤثرات (أشبه بالرأس المتفجر الذي تحمله الطائرة المسيرة) فتصيب الهدف و تحدث الأثر المطلوب.
للتعامل كمّيا مع هذه الرسائل، نحسب النطاق الأثيري لكل منها.. (بالتركيز فقط على النطاق السوداني الداخلي) كالتالي:
النطاق السوداني المؤيد للجيش 100%.. من الأثير العام.
النطاق السوداني المؤيد للتمرد 10%
النطاق السوداني المتأثر بمجريات الحرب عموما، ومساعد في تكوين تداعياتها. 50%
النسب المئوية هنا متداخلة، بحسب التقاطعات بين النطاقات الثلاثة.
عند تصميم الرسائل الاعلامية.. وفق هذه النطاقات وبالحسابات الكَمية..
فإن مؤشر دعم الجيش بنسبة “100%”.. يعني ان الرسائل لن تحمل مدلولا سالبا في النطاق المتعلق بدعم الجيش تجاه أي سوداني مهما كان موقفه.
بافتراض أن الموقف العام هو دعم الجيش بنسبة 100%.
تفسير ذلك، أن الرسائل الاعلامية في هذا النطاق ستؤكد فرضية ان لا صوت ضد الجيش. و أن دعم الجيش أمر حتمي مرتبط بالانتماء السوداني لا السياسي أو الاجتماعي. وليس هنا مجال للتشكيك فيه مهما عبر البعض عن مواقف ضد ذلك.
وأهمية تصميم الرسالة على هذا الافتراض أن لا يكون الجيش في موقع اختلاف أو سجال أو أخذ و رد في أي سياق سياسي أو مجتمعي.
أما الـ 10% الداعمة للتمرد، هي مطلوبات الاعلام المضاد. وللأسف هذا واحد من الفرائض الغائبة في معركة الساحة الاعلامية.. ولا يتسع المجال للتفصيل هنا.
و يتبقى الـ50% المرتبطة بالتداعيات.. و أفصلها لاحقاً.
#حديث_المدينة الأحد 14 سبتمبر 2025