مقالات

د. حسن شايب دنقس يكتب فساد حتى الثمالة! 

خرطوم سبورت

فساد حتى الثمالة!

 

تناول رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قضايا الفساد والمحسوبية في جهاز الدولة في فاتحة مؤتمر إصلاح الخدمة المدنية في السودان يشير إلى واقع مرير يعاني منه المواطنون في ظل تنامي ظاهرة المحاباة في توزيع الوظائف الحكومية هذا السلوك المشين قد حول الوزارات إلى ضيعة لعدة جماعات وفئات يسيطر عليها من هم مقربون من أصحاب القرار دون مراعاة لمعايير الكفاءة والمهنية ومع إقرار البرهان بوجود هذه الأزمات داخل الدولة يبقى السؤال المحوري إذا كانت القيادة العليا نفسها تشكو من الفساد فلمن يرفع المواطن شكواه؟

من المعروف أن النظام الحكومي في أي دولة يجب أن يكون مبنياً على أسس من الشفافية والعدالة حيث تمنح الوظائف العامة بناءً على الكفاءة والجدارة لا على أساس القرابة أو الولاء السياسي لكن ما تعاني منه البلاد اليوم هو تزايد ظاهرة المحسوبية حيث تم توظيف الأقارب والمقربين في المناصب الحساسة فإتفاقيات السلام أطرت لهذا من غير أي ضوابط فالحركات المسلحة التي رفعت السلاح في وجه الحكومات السابقة بدواعي الظلم و التهميش و الفساد هي ذاتها الآن التي تغوص في براثن الفساد حتى الثمالة! حتى أصبح من الصعب على المواطن العادي التطلع إلى فرص حقيقية في الخدمة المدنية وعندما يتحدث رئيس مجلس السيادة عن الوزارات التي تحولت إلى ضيعة فهو يعكس واقعاً حيث يتم الاستئثار بالمناصب والتوظيف لصالح فئات محددة مما يعيق تطبيق مبدأ المساواة بين جميع المواطنين.

التصريحات السياسية لا تكفي وحدها لمواجهة الظواهر المعقدة التي تعاني منها مؤسسات الدولة ولكن في ظل واقع نظام سياسي يعترف بوجود الفساد داخل مؤسساته يظل السؤال المهم من سيحارب الفساد إذا كانت القيادة نفسها جزءاً من المشكلة؟ هل سيتعين على المواطن العادي أن يتحمل تبعات الفساد والمحاباة أم ستجد الحكومة القدرة على الإصلاح الحقيقي؟ وهل مخرجات مؤتمر إصلاح الخدمة المدنية في السودان قابلة للتطبيق و التنفيذ؟

هذه الأسئلة تشير إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية على الأرض لمكافحة الفساد وإصلاح الخدمة المدنية يجب أن يبدأ الإصلاح من أعلى الهرم الإداري عبر بناء ثقافة مؤسسية ترفض المحسوبية والفساد وتشجع على الكفاءة والعدالة بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون هناك تعاون حقيقي بين الحكومة والمواطنين لتوفير بيئة من الشفافية تسمح بفتح الملفات المتعلقة بالفساد وتوفير حماية للمبلغين عن المخالفات.

الأمر لا يقتصر على إدراك المشكلة فقط بل على قدرة القيادة السياسية على إحداث تغيير فعلي الخطوة الأولى تكون في إعادة هيكلة الوزارات والأجهزة الحكومية وفقاً للمعايير المهنية التي تعتمد على الكفاءة وليس على الانتماء الحزبي أو العائلي وفي هذه الحالة سيكون من المهم أن يظهر البرهان والفريق الحكومي قدرتهم على الانتقال من الخطابات النظرية إلى الإجراءات العملية التي تثبت صدق النية في تحقيق الإصلاح.

إذا كانت هناك نية حقيقية لمكافحة الفساد يجب على الحكومة تبني استراتيجية شاملة تعكس التزامها بتغيير جذري تشمل هذه الاستراتيجية تعزيز دور المؤسسات الرقابية المستقلة وتحقيق الشفافية في التوظيف عبر منصات إلكترونية تضمن العدالة والفرص المتساوية لجميع المواطنين كما يجب أن تكون هناك إجراءات ملموسة لمحاربة الفساد في كافة مستويات الخدمة المدنية بما في ذلك فرض عقوبات صارمة على كل من يثبت تورطه في الممارسات الفاسدة.

لا بد من الإشارة إلى أن إصلاح الخدمة المدنية في السودان يتطلب إرادة سياسية حقيقية قد تكون التحديات التي تواجه الحكومة كبيرة ولكن لا يمكن التغلب على الفساد دون جهود حقيقية تتجاوز التصريحات السياسية.

دكتور/حسن شايب دنقس

مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

تابعنا على واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى