عصام ابومدينة يكتب: المعلم… حين ترتقي المهنة إلى مقام الرسالة، لا تُدنِّسها التصرفات الفردية
خرطوم سبورت

عصام ابومدينة يكتب:
منذ أن وُجدت الكلمة الأولى، وُجد المعلم. فهو الذي أشعل شرارة المعرفة في عقول البشر، وفتح للإنسان باب الفهم والإبداع. وعلى مر العصور، ظل المعلم هو القاسم المشترك في كل نهضة إنسانية؛ فكل حضارة بدأت من فصلٍ دراسي صغير، وكل أمة عظيمة نهضت على يد معلمٍ مخلص آمن بأن رسالته لا تنتهي عند السبورة.
المعلم ليس مجرد موظف يؤدي واجبًا، بل صانع الوعي ومهندس العقول. إنه الذي يزرع في طلابه الإيمان بالعلم والعمل، ويغرس فيهم القيم قبل المفاهيم. وكلما احترمت الأمم معلميها، علت في سماء الحضارة، وحين أهملتهم، تراجع فيها كل شيء.
في الحضارة الإسلامية، كان للمعلم مكانة سامية، إذ قال النبي ﷺ: “إنما بُعثت معلّماً”. تلك العبارة البسيطة تختصر عظمة الرسالة التي يحملها المعلم؛ فهي رسالة بناء الإنسان قبل تعليم الإنسان. ومنذ ذلك الزمن، وحتى اليوم، لم تفقد هذه المهنة قدسيتها رغم تغير الوسائل والمناهج.
وفي زمن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ما زال المعلم هو العنصر الإنساني الذي لا يمكن استبداله. فالمعرفة يمكن أن تأتي من أي مكان، لكن التربية لا تأتي إلا من قلبٍ حيّ، يحمل شغفًا ومسؤولية تجاه أجيال تنتظر التوجيه والقدوة. المعلم ليس فقط من يشرح الدرس، بل من يُلهم، ويُحفّز، ويُعيد الثقة في نفوس أبنائه.
ورغم هذه الصورة المشرقة لمعلمينا، تظهر بين الحين والآخر حوادث مؤسفة تثير الرأي العام، كما في حادثة الأبيض الأخيرة. ومهما كانت تفاصيلها، فإن الإنصاف يقتضي النظر إليها كتصرف فردي شائن يُترك الحكم فيه لجهات الاختصاص القانونية والإدارية لتأخذ العدالة مجراها.
فمثل هذه الأفعال، على فظاعتها، لا تمثل المعلمين ولا تُعبّر عن رسالتهم السامية، ولا يجوز أن تُلطَّخ بها مهنة حملت مشعل العلم والتربية لعقود طويلة.
إن أغلبية المعلمين هم جنود مخلصون للوطن، يقفون كل صباحٍ ليزرعوا الأمل والمعرفة في عقول أبنائه، مؤمنين بأن التعليم هو طريق النهضة الحقيقية.
إننا اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، بحاجة إلى أن نعيد للمعلم مكانته التي يستحقها، ليس بالكلمات فقط، بل بالدعم، والتقدير، وتحسين الظروف التي تعينه على أداء رسالته. فالمعلم هو الضمير الحيّ للأمة، وبدونه لا تُبنى حضارة، ولا يستقيم مجتمع، ولا يُضاء مستقبل.
 
				 
					 
					 
					







