مقالات

عثمان ميرغني يكتب: معركة في لا معترك.. اتفاق جوبا

خرطوم سبورت

معركة في لا معترك.. اتفاق جوبا

عثمان ميرغني

أصدر الدكتور محمد زكريا، أمين الإعلام والناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة، أمس بيانًا متعدد التأويلات حول تقاسم السلطة، قال فيه: «نؤكد تمسكنا الكامل باتفاق جوبا للسلام في السودان، بما يشمل مبادئه واستحقاقاته، بما في ذلك المواقع التنفيذية التي أُقرت بموجبه». ومعلوم أن الاتفاق خصص للأطراف الموقعة عليه ثلاثة مقاعد في مجلس السيادة، و25% من مقاعد كل من البرلمان ومجلس الوزراء، دون أن يُسمي وزارات بعينها.
وفي أول تشكيل وزاري في يناير 2021، توزعت الوزارات بالتراضي مع رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، الذي اختار كل وزير من قائمة تضم ثلاثة مرشحين قدمتها أطراف اتفاق جوبا. ويذكر الجميع الجدل الذي أثير عند اختيار حمدوك للأستاذ معتصم أحمد صالح، من حركة العدل والمساواة، وزيرًا للرعاية الاجتماعية من القائمة المقدمة، لكن الحركة رأت استبداله بالأستاذ أحمد بخيت آدم، وحققت ما أرادت. وفق هذا النهج، يتأكد ثبات نسبة 25% من الوزارات دون التقيد بتسمية وزارات أو أشخاص بعينهم.

بيان حركة العدل والمساواة أكد الالتزام بـ«مبادئ واستحقاقات» الاتفاق، وهذا أمر محمود، لكنه يثير تساؤلاً: ما هو إذًا محور الخلاف؟ يبدو من سياق المفاوضات التي جرت مع رئيس الوزراء ومجلس السيادة أن أطراف اتفاق جوبا، وبالأخص حركتي جبريل ومناوي، تفسر ما أُطلق عليه «الاستحقاقات» بأنها المقاعد الوزارية التي خُصصت في يناير 2021 لوزراء لم يطلهم التغيير طوال السنوات الخمس الماضية. حساسية الخلافات حول الاتفاق في هذا الظرف تكمن في تأثيرها على المسار العسكري. فالقوة المشتركة، التي تضم هذه الحركات، تشارك الجيش بفعالية في جبهات القتال، وقد أبلت بلاءً حسنًا، ولها الفضل في ترجيح كفة المعارك في مناطق عديدة، أهمها الفاشر.
يُحمد للحركات أنها لم تساوم على مشاركتها في الميدان، رغم إيحاءات المشهد العام. لكن موقفها، مهما كان رشيدًا، يظل عرضة لضغوط من قواعدها التي ربما لا تزال متأثرة بخطاب تقليدي متظلم.
الجدل حول حصة الحركات من السلطة استغرق وقتًا أطول مما ينبغي، فاتفاق جوبا واضح في بنوده، بل ووضع آليات للفصل في التنازع حول تفسيره. والأهم أن القضية محل الخلاف تبدو في سياق لا يرتبط بمصالح الوطن والمواطن.
التشكيل الوزاري ينقسم إلى وجهين: الأول، تحديد تخصصات ومهام الوزارات، وقد أكمل رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس هذا الجانب بتحديد 22 وزارة بعناوين ومهام واضحة، وقُضي الأمر.
أما الثاني، فهو شغل الحقائب الوزارية. رئيس الوزراء، في خطابه، أشار إلى أن مشكلة السودان المزمنة هي غياب مبدأ «الشخص المناسب في المكان المناسب». فالمحك هو البحث عن أفضل شخص يتمتع بالقدرات والمؤهلات المطلوبة لكل وزارة.
صحيح أن الأمر ليس مطلقًا لرئيس الوزراء، إذ توجد محددات لسبع وزارات: وزارتان للقوات النظامية (الدفاع والداخلية)، وخمس وزارات لأطراف اتفاق جوبا. ورئيس الوزراء ملزم بالبحث عن «أفضل خيار» ضمن الترشيحات التي تقدمها الأطراف المعنية.

المرونة في التفاهم، واستشعار المسؤولية الوطنية في تحري المصالح القومية العليا، تجعل التوصل إلى اتفاق أمرًا يسيرًا دون تعقيدات. لكن التأخير، مع تصاعد الخلافات خلف الأبواب المغلقة، يشير إلى أن موازين أخرى غير المصلحة القومية تتدخل في السياق. وهنا تكمن الأزمة المزمنة التي أشار إليها رئيس الوزراء في خطابه.

في تقديري، ينبغي لرئيس الوزراء ألا يغرق في هذه الأزمة التي لا تستحق. حتى لو تنازل عن صلاحياته في اختيار الوزراء وقبل بما تطالب به الحركات من حقائب وأشخاص، فإن حسابات الربح والخسارة الوطنية تفرض تجاوز الأزمة بالتراضي في أقرب وقت ممكن.

#حديث_المدينة الأربعاء 25 يونيو 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى