
روسيا.. فلقد بلغ السيل الزببى
الكل يتابع التعقيدات و المهددات الأمنية المتزايدة التي تواجه السودان فسيل الطائرات المسيرة في إستهداف المنشآت الحيوية بلغ ذروته إذاً ما هي الحلول و التدابير لمجابهة هذا الأمر؟ الإجابة على هذا السؤال هو توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي والعسكري مع روسيا في شراكة استراتيجية ينبغي حسمها بموقف وطني واضح ومباشر لا يحتمل المراوغة ولا التردد غير أن المواقف الرمادية التي اتخذتها الحكومة السودانية حيال هذه الاتفاقية تثير الكثير من علامات الاستفهام وتكشف عن قصور واضح في قراءة المتغيرات الجيوسياسية وموازين القوى التي لم تعد تحتمل الوقوف في منطقة وسطى بين المحاور المتصارعة.
التلكؤ في توقيع اتفاق بهذا الحجم مع قوة دولية فاعلة مثل روسيا في وقت تشتد فيه المهددات الأمنية والسياسية والاقتصادية على البلاد ليس مجرد خيار دبلوماسي يمكن الدفاع عنه بل هو خيانة للضرورات الاستراتيجية التي تفرضها اللحظة التاريخية الراهنة.
البلاد اليوم في مواجهة مباشرة مع تحديات وجودية تهدد وحدته واستقراره تستلزم إعادة تشكيل تحالفاته بطريقة تضمن له الحماية والدعم لا مزيداً من العزلة والارتهان لمواقف لا تخدم مصالحه.
المناورة السياسية في هذا الملف لا يمكن تبريرها سوى بالخضوع لضغوط إقليمية ودولية لا تنظر إلى السودان إلا كدولة هامشية قابلة للتطويع أو التهميش بحسب ما يحقق مصالح تلك الأطراف وهذا ما يجعل من موقف الحكومة مدعاة للقلق بل والغضب الشعبي لأن السكوت عن هذه الاتفاقية أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى يعني فعلياً إضاعة فرصة ثمينة لتحقيق توازن استراتيجي في وجه الهيمنة الغربية و أذيالها في منطقتنا العربية و الأفريقية المتصاعدة التي لم تقدم للسودان سوى الخراب والدمار والتدخل في شؤونه الداخلية.
الوقوف على الرصيف في مثل هذا الوقت هو خذلان فالوطن ليس ساحة للتجارب و المناورات إنما هو كيان يحتاج إلى مواقف حاسمة وتحالفات قوية تضمن له البقاء والتطور في بيئة دولية لا ترحم الضعفاء ولأن ميزان القوى في المنطقة يتغير بسرعة فإن أي تأخير أو تردد في اتخاذ القرار الصائب سيكلف السودان الكثير وربما يدفع به إلى المزيد من التفكك والضياع.
لقد بلغ السيل الزبى ولم يعد مقبولاً أن تبقى الحكومة في موقف المتفرج بينما تشتد الضغوط على الجبهة الداخلية ويتزايد التهديد الأمني من كل صوب إن اتفاقية التعاون مع موسكو ليست مجرد وثيقة بل هي رافعة حقيقية يمكن أن تسهم في تعزيز الأمن القومي وتنمية الاقتصاد وتحقيق قدر من الاستقلال السياسي في مواجهة الهيمنة والتبعية.
على الحكومة أن تعي أن زمن الرمادية قد ولى وأن الثمن الذي سيدفعه الشعب من تردده في اتخاذ القرار سيكون فادحاً الوطن أغلى وأسمى من حسابات ضيقة أو توازنات واهية ولا بد من التحرك الجاد لتغيير موازين القوة في المنطقة صغيرها وكبيرها حفاظاً على سيادة السودان ومصالحه العليا.
دكتور/حسن شايب دنقس
مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية