
عثمان ميرغني يكتب: مدخل جبل مويا
ربما لم يسمع كثير من الأجيال السودانية الشابة، وحتى السابقة، بـ”جبل مويا” إلا من خلال المسلسل الإذاعي الشهير، أو عند مروره عابرًا بمحطة القطار في رحلة من الخرطوم إلى دارفور. لكن حرب 15 أبريل 2023 شاءت أن تفرض معرفة جديدة، وسياحة من نوع آخر، على الشعب السوداني بمختلف أعماره وثقافاته
عندما دخلت ولاية سنار دائرة المعارك العسكرية، بدأ اسم “جبل مويا” يظهر تدريجيًا في الأخبار، وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، حتى تحول إلى بؤرة للمواجهة. لأشهر عديدة، تردد اسم “جبل مويا” يوميًا على الألسن آلاف المرات. انتقلت قلوب وأحاسيس السودانيين جميعًا إلى “جبل مويا”، وعندما أنعم الله على الجيش السوداني بالنصر المبين هناك، عانقت القلوب هذا المكان، حتى من لم يسمع به من قبل. أصبح “جبل مويا” وسامًا، بل رمزًا سودانيًا، دشن مرحلة جديدة تحول فيها الجيش من الدفاع إلى الهجوم، وبدأ استعادة كل شبر حتى القصر الجمهوري.
“جبل مويا” ليس إلا رمزًا للمجهول في بلادنا المترامية الأطراف، الوجه الآخر للقمر الذي لم يره السودانيون إلا عندما أضاءته نيران الحروب. ومثله مناطق أخرى كثيرة، مثل “كرب التوم” في عمق الصحراء، التي لولا دخول قوات الدعم السريع إليها لما سمع باسمها أحد، وقبلها مناطق عديدة أضاءتها الشظايا والقنابل.
ويقفز السؤال الحتمي: هل ستعود هذه المناطق إلى ظلام النسيان الإعلامي بعد أفول نيران الحرب؟ هل ستعود “جبل مويا” منطقة منسية لا يذكرها إلا من عاش ذكريات المعارك؟
الإجابة المطلوبة لا ينبغي أن تكون مزيجًا من العواطف والأمل الزائف، بل رؤية وخطة واضحة المعالم، تُعد تفاصيلها من الآن، في انتظار “آخر طلقة” قريبًا، لتبدأ مرحلة بناء دولة جديدة.
على سبيل المثال، “جبل مويا” منطقة إنتاجية من الدرجة الأولى، تحتمل الاستثمار الزراعي والحيواني، وتصلح أن تكون وجهة للسياحة الداخلية والخارجية. بل ربما يكون الأفضل التفكير في تشييد “مدينة جبل مويا”، لتكون ملتقى طرق برية مهمة تربط عدة ولايات. يمكن لخبراء تخطيط المدن أن يبدأوا العمل الآن، لدراسة مخطط طموح يستوعب “مدينة جبل مويا” كبؤرة نشاط اقتصادي متمدد في مناطق شاسعة، جاذبة للسكان الذين تستوعبهم الأنشطة الاقتصادية المستحدثة وفق الخطة.
ستكون “مدينة جبل مويا” واحدة من عشرات المدن الجديدة التي يحتاجها السودان لإعادة توزيع الكتلة السكانية بطريقة تحقق الاستفادة القصوى من أراضينا الشاسعة.