مقالات

عثمان ميرغني يكتب: 5 من 22 وزيرا..

خرطوم سبورت

5 من 22 وزيرا..

عثمان ميرغني

اعلنت أسماء ثلاثة وزراء جدد، من حملة الأستاذية، هم عصمت قرشي وزيرا للزراعة والري ، و أحمد مضوي للتعليم العالي والبحث العلمي ، و المعز عمر بخيت للصحة. وسبق اعلان وزير الدفاع الفريق حسن داؤد كبرون، و وزير الداخلية الفريق بابكر سمرة.. وتبقى 17 وزيرا في انتظار اعلانهم.

التعينات الوزارية تحظى باهتمام ومتابعة شعبية لافتة.. ليس لكونها تأخرت لسنوات منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 فحسب، بل ولأن منصب الوزير له فخامة و رنين واسع .. يعد نوعا من التكريم و شهادة تفتخر بها أسرة الوزير وأصدقاؤه بل و قبيلته.

وليس في ذلك حرج أو مشكلة.. لكن المعضلة الحقيقية هي في الوصف الوظيفي للوزير.

 

في السودان الوزير هو مبعوث العناية الإلهية ليخرج الوزارة من الظلمات إلى النور.. البداية والنهاية للوزارة.. يحمل في يده القلم الأخضر من أول يوم يزيل به ما فعله سلفه.. بلا أدنى مراجعة.. يلعن الفات ويعلن المشروعات.. التي منها يبدأ العهد الجديد..

و ربما لا يستمر في الوزارة إلا بضعة أشهر أو سنة.. فيخرج ليأتي مبعوث جديد يعيد انتاج البدايات والنهايات المتجددة مع كل وزير.

سلطة الوزير مطلقة بلا حدود.. حتى ولو لم يكن مؤهلا من حيث التخصص للنظر في قضايا الوزارة.. فمثلا وزارة الصحة قد لا يفهم تفاصيلها من هم خارج القطاع الطبي.. لكن مع ذلك كثيرا ما تسند لشخصيات لا علاقة لها بالتخصص.. أو وزارة التعليم العالي، قد تكون كل مؤهلات وزيرها حمل البندقية يوما ضد الحكومة وبعد توقيع اتفاق سلام شاءت قسمة السلطة أن توقعه في هذا المكان.

 

و في تاريخ السودان كثير جدا من الفواجع التي جاءت من كنف هذا التوزير السياسي مع السلطات الواسعة للوزير.

من الحكمة في عهد “حكومة الأمل” بقيادة الدكتور كامل ادريس أن يعاد الوصف الوظيفي لمنصب الوزير كالتالي:

الوزير هو الممثل للوزارة أمام مجلس الوزراء و البرلمان، وتنحصر صلاحياته التنفيذية في “اعتماد” قرارات الوزارة التي يجب أن تأتي وفق اللوائح والنظم من الجهاز البيروقراطي للخدمة المدنية .. الذي سنامه وكيل الوزارة.

بعبارة أخرى، يصبح الوزير أقرب إلى مسؤول ضبط الجودة الذي يضمن “مؤسسية” القرار، ولا ينفرد باصداره.

تناقش القرارات والسياسات في المستويات الأدني في الوزارة، ثم تجاز تدريجيا في المستويات الأعلى بالترتيب إلى أن تبلغ مستوى الوكيل وهو أعلى منصة في الخدمة المدنية، الذي يجيزها ثم ترفع للوزير لـ”الاعتماد”.. مهمة الوزير هي مراجعة الدورة التي صنعت القرار ليضمن أنها اتبعت الطرق النظامية المنصوص عليها في القانون واستوفت معايير وشروط المؤسسية. ثم يوقع عليها.

بهذا الوضع، لن يكون الوزير إلا ترسا صغيرا في ماكينة كبيرة.. مجردا من الصلاحيات المطلقة التي كان يتمتع بها.. والتي توفر له الجمع بين السلطة والثروة.

تجريد منصب الوزير من الصلاحيات الواسعة يقوي جهاز الخدمة المدنية، و يعزز الاستقرار فيه، و يضمن تراكم الخبرة بلا انقطاع لتواصل أجيال المسؤولين في الخدمة المدنية بصورة طبيعية.

من الحكمة أن نتطلع ليوم يصبح فيه اختيار من يشغل منصب الوزير تكليفا لا تشريفا حقيقة لا شعارات.

#حديث_المدينة السبت 5 يوليو 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى