مقالات

عثمان ميرغني يكتب السودانيون في مصر.. العيد متى؟

خرطوم سبورت

السودانيون في مصر.. العيد متى؟

هذا السؤال مهم جدًا.
أعلن السودان يوم الأحد 30 مارس 2025 هو اليوم الأول لعيد الفطر المبارك، بينما أعلنت مصر أن شهر رمضان سيكتمل ثلاثين يومًا، ليصبح يوم الإثنين 31 مارس 2025 هو اليوم الأول للعيد.
نعود إلى السؤال: السوداني المقيم حاليًا في مصر – وما أكثرهم – هل يلتزم بميقات السودان أم بميقات مصر؟ هل يصوم مع مصر ليكمل رمضان ثلاثين يومًا، أم يفطر ويحتفل بالعيد متزامنًا مع بلده السودان؟
الإجابة هنا ليست جوهرية من حيث الفتوى المباشرة التي قد تقضي بالاستمرار في الصيام مع مصر أو الاحتفال بالعيد وفق إعلان السودان، فهي مسألة لا تحتاج إلى جدال طويل؛ إذ إن المقيم في بلدٍ غير وطنه ملزم – بالضرورة – بما تلتزم به دولة الإقامة.
لكن الأهم ليس في الإجابة بحد ذاتها، بل في زاوية أخرى تتجاوز السؤال إلى أسئلة مستمدة من هذه الحالة:
1 هل يتسق الإسلام مع معايير النظام الدولي المعاصر؟
من حيث سيادة الدول، وقرارات الأمم المتحدة وميثاقها، والقانون الدولي، والاتفاقيات التي تلزم الدول جميعًا؟ أم أن الإسلام لا يعترف بهذا الارتباط العالمي، ويفترض أن الدولة ذات الأغلبية المسلمة – أو المسلم شخصيًا – في حلٍّ من الالتزام بالنظم الدولية؟ فيصبح المسلم ملزمًا بمتطلبات السيادة القطرية للدولة التي يقيم فيها أو يمر بها، حتى لو تعارضت مع قوانين دولته الأم التي قد تكون مستمدة من الدين؟
2 المسافة بين الالتزام الشخصي والإلزام السيادي:
بمعنى: هل قراري بأن أفطر يوم الأحد لكوني سودانيًا ملتزمًا بقرار السودان – رغم إقامتي في مصر – هو أمر متروك لتقديري الشخصي، أم أنه يتجاوز الإرادة الفردية إلى الشأن العام، فيصبح ملزمًا وفق ما تقرره دولة الإقامة؟ أهمية هذه النقطة تكمن في أنها تغلق الباب تمامًا أمام الاجتهاد الفردي في:
أ. تحري رؤية الهلال: إذ تصبح هذه المهمة من اختصاص الدولة لا الفرد، مهما كان موقفه. فلو صعد المسلم إلى سطح منزله ورأى الهلال بعينه، فهو مأمور بالالتزام بما تقرره الدولة عامة، ولا يجوز له الاعتماد على حكمه الشخصي. وامتدادًا لذلك، فإن تحديد رؤية الهلال أو المواقيت – سواء بالرؤية أو بالعلم والتكنولوجيا – هو مهمة الدولة وملزم للفرد، مهما كان لديه من دليل قاطع يخالف قرار الدولة. هذا أشبه بالتزام المصلي خلف الإمام، حتى لو أخطأ الإمام بزيادة أو نقصان في الصلاة.
ب. التمييز بين مهام الفرد ومهام الدولة: كمنهج إلزامي في الإسلام، لئلا تفقد الدولة حاكميتها، مما قد يؤدي إلى الفوضى.
بصورة عامة:
منهج الإسلام في الحياة يعظم النظام العام للبلد، بل وحتى الأوضاع العابرة كالسفر على طائرة أو سفينة تلزم المسافرين بلوائحها ونظامها. ذلك لأن الخروج عن النظام العام يؤدي إلى أضرار كبيرة، وربما مفسدة، مثل راكب في طائرة يرفض الامتثال لتوجيهات طاقمها؛ فهو هنا لا يمارس حرية شخصية بقدر ما يهدد سلامة الآخرين. وحرص الإسلام على صلاة الجمعة في المسجد ليس فقط لأنها تفوق صلاة الفرد بدرجات، بل لأنها تدريب على الانسجام مع النظام العام الذي بدونه تنتشر الفوضى. فلو كان متاحًا لكل شخص أن يصلي الفريضة بمفرده في المسجد، لانتفت الحاجة إلى صلاة الجماعة والمساجد عمومًا، ولكان الأجدر توجيه ما يُنفق عليها إلى مدارس أو مستشفيات أو مرافق عامة أخرى. لكن أهمية المسجد تكمن في كونه تدريبًا على الالتزام بالنظام العام في الفعل الجماعي. وحتى في صلاة الجماعة، يستمر الالتزام بالإمام – حتى لو أخطأ – لضبط الإيقاع الجماعي ومنع الاختلال.
عودًا على بدء:
مجرد طرح السؤال: “هل يلتزم السوداني بما يقرره وطنه في تحديد يوم العيد، أم بما تحدده دولة الإقامة؟” هو في حد ذاته ناتج عن غياب الفهم السليم لمؤسسية الإسلام وتعظيمه للفعل الجماعي المرتبط بالنظام العام للدولة، والقطع بأن سيادة الدولة التي يقيم فيها أو حتى لو كان عابرا لها تأتي فوق أي اعتبار آخر.
والله أعلم.

#حديث_المدينة الأحد 30 مارس 2025

تابعنا على واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى