
إنهم يصفقون للفساد!
بالأمس كان عنوان مقالتي “فساد حتى الثمالة” واليوم أقولها بمرارة أشد “إنهم يصفقون للفساد” يبدو أن كأس الفساد لم يكسر بعد و لا يزال يدار بينهم بلا خجل فبعد أن ثملوا حتى النخاع لم يكتفوا بالسُكر بل راحوا يصفقون لمن أراقوا ما تبقى من ماء وجه الدولة أصبح الفساد لا يستنكر بل يحتفى به لا يخفى بل يجمّل والمؤسف أن التصفيق لا يأتي من الجهلة وحدهم بل من أصحاب منابر وسلطة كأنما تحولنا إلى مشهد عبثي يصفق فيه الجمهور للجلاد لا للضحية السيد نائب رئيس مجلس السياد مالك عقار في لقاء مع بعض الوزراء و المسؤولين في البلاد قال “جينا بورتسودان لينا سنتين معانا ناس خلال الفترة دي اشتروا شقق في مصر وتركيا لأنو الولد الكويس بيشوف نفسو كويس والرئيس كويس” كلمات عقار التي جاءت باللهجة العامية لم تكن مجرد ملاحظة عابرة بل حملت في طياتها اتهامات مباشرة بالثراء الفاحش لموظفين و مسؤولين يفترض أنهم يعيشون في قلب أزمة وطنية طاحنة فأكثر ما أثار إستغرابي ليس مضمون الحديث وحده بل رد فعل الحاضرين من الوزراء والولاة الذين لم يعترضوا أو يصمتوا خجلاً بل صفقوا بحرارة في موقف ليس فيه ما يدعو للتصفيق!
جاءت هذه التصريحات لتكشف مفارقة مأساوية تعيشها البلاد فبينما يفترض أن تكون العاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان ملجأً لإدارة شؤون الدولة تحولت وفق ما لمح إليه عقار إلى سوق مصالح وصفقات خاصة حيث استطاع بعض النافذين أن يجنوا أموالاً طائلة تكفي لشراء عقارات في الخارج في وقت لا يجد فيه غالبية المواطنين ما يسد رمقهم.
رد الفعل الرسمي حتى الآن غائب لم يعلن عن فتح تحقيق ولم تصدر أي جهة حكومية توضيحاً أو نفياً بل على العكس فإن تصفيق المسؤولين الحاضرين لكلام عقار يقرأ على أنه إقرار ضمني بما قيل وربما احتفاء بـالإنجازات الشخصية لا بمحاسبة التجاوزات وهو ما يؤكد غياب المساءلة ويزيد من فجوة الثقة بين الشعب والحكومة.
هذا المشهد يعيد إلى السطح أسئلة مؤلمة كيف تدار الدولة؟ ومن يحاسب من؟ وهل بات الفساد ظاهرة مألوفة إلى الحد الذي تقابل فيه الإدانة بالتصفيق؟تصريحات عقار ليست مجرد زلة لسان أو حديث عابر بل اعتراف رسمي على لسان أحد أعلى قيادات الدولة بوجود ممارسات غير نزيهة داخل أجهزة الحكم وإذا لم يتم التعامل معها بجدية ومحاسبة حقيقية فإنها ستعتبر علامة أخرى على انهيار معايير الحكم وفتح الباب على مصراعيه أمام مزيد من التدهور المؤسسي.
دكتور/حسن شايب دنقس
مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية
4o