
الجرح الغائر.. الخيانة الوطنية
حرب الكرامة التي يخوضها السودان ضد المشاريع الهدامة التي تحيكها قوى الشر جعلتني أتوقف عند ظاهرة خطيرة تستحق الوقوف عليها ألا و هي ظاهرة خيانة بعض السودانيين لوطنهم واصطفافهم مع قوى إقليمية ودولية تعمل ضد مصلحة البلاد العليا هذا السلوك لم يكن وليد لحظة عابرة لكنه يعكس أزمة مركبة في بنية الوعي الوطني واختلالات في منظومة الانتماء وتغول المصالح الخاصة على المصالح العامة.
خيانة الوطن لا تبدأ فقط عندما يرفع البعض السلاح ضد شعبه أو يتجسس لصالح قوى أجنبية لكنها تبدأ حين يفقد الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية تجاه الوطن وفي حالتنا السودانية تجلى ذلك بوضوح حين استغل بعض الأفراد والجماعات ظروف الحرب والاضطراب السياسي والمؤسسي للارتماء في أحضان أجندات خارجية طمعاً في مكاسب ضيقة أو انتقاماً من خصوم داخليين
غير مدركين أن ثمن هذه الأفعال سيدفعه الوطن كله.
ما يجعل هذه الخيانة أكثر خطورة هو أنها لم تأت من فراغ بل رعتها جهات خارجية تدرك تماماً حساسية موقع السودان الجيوسياسي وثرواته الهائلة وتأثيره في محيطه الإقليمي هذه القوى استثمرت في الانقسامات الداخلية وروجت لروايات كاذبة عن الحرب وقدمت الدعم المالي والسياسي والعسكري للمليشيا وشخصيات كان يفترض بها أن تقف في خندق الوطن لا أن تبيعه بثمن بخس في سوق المصالح الدولية.
في كل الأمم تمر فترات ضعف واختبار لكن الشعوب التي تصمد وتحافظ على تماسكها الوطني هي التي تنجو وتنهض أما أولئك الذين يتخلون عن الوطن في لحظة عسره فهم ليسوا مجرد خونة بالمعنى القانوني إنما يمثلون عطباً في الضمير الجمعي وجرحاً غائراً في ذاكرة الأمة فالوطن ليس مجرد جغرافيا أو نظام حكم هو رابط وجداني وتاريخ مشترك ومستقبل يبنى بالدم والتضحيات لا بالمؤامرات والارتهان للأجنبي.
لقد كشفت هذه الحرب من يقف فعلاً مع بلادنا ومن يعمل ضدها وأعادت تعريف مفهوم الوطنية في إطار لا يحتمل التلون أو الحياد الزائف لذا وجب على الدولة وقبلها المجتمع السوداني أن يتعامل مع هذا الواقع بجدية ليس فقط عبر المعالجات الأمنية و القانونية إنما بإعادة بناء منظومة القيم الوطنية التي الحديث فيها يحتاج إلى مجلدات وتقوية الانتماء والتصدي للمشاريع الخارجية التي تستثمر في ضعف بعض النفوس.
اللحظة التي تعيشها البلاد ليست فقط لحظة حرب على الأرض هي أيضاً حرب على الوعي والهوية والانتماء وإذا كان البعض قد اختار الوقوف في صف أعداء الوطن فإن الأغلبية من أبناء الشعب السوداني اختارت أن تكون في صف الكرامة والسيادة وستظل كذلك حتى يعود السودان حراً موحداً سيداً في قراره عصياً على الابتلاع أو التلاعب.
دكتور /حسن شايب دنقس
مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية