
من لا يتحرك تحركه مصالح الآخرين
التحولات العالمية المتسارعة جعلت من النظام الدولي اليوم محكوماً بلغة جديدة تحكمها المصالح المتبادلة والتحالفات الصلبة والتوجهات الاستراتيجية القائمة على المكاسب الواقعية وليس الشعارات أو الحياد المتردد لم يعد في مقدور الدول أن تنهض أو تبني و تؤمن مصالحها عبر التمترس خلف مواقف رمادية أو تبني سياسة التقوقع والانعزال فالعالم يتجه بسرعة نحو تكتلات جديدة تتشكل على أسس براغماتية حيث بات واضحاً أن من لا يكون جزءاً من منظومة فاعلة سيجد نفسه في الهامش متلقياً لا صانعاً متأثراً لا مؤثراً.
تعتبر التجربة السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية مثالاً واضحاً على هذا النمط من العلاقات التي تحركها المصالح قبل العواطف والمواقف المدروسة قبل المجاملات السياسية برغم التباينات الكثيرة حافظت الرياض وواشنطن على شراكة استراتيجية طويلة الأمد بنتها المصالح النفطية وعمقتها التحديات الأمنية وتوسعت اليوم لتشمل الجوانب التكنولوجية والدفاعية والاقتصادية.
وهذا ما ينطبق كذلك على بقية دول الخليج التي استوعبت مبكراً قواعد اللعبة الدولية الجديدة وربطت أمنها وتنميتها بتحالفات قوية مع القوى الدولية الفاعلة دون تردد أو مجاملة ودون التورط في أوهام الحياد الإيجابي و الوقوف على الرصيف الذي كثيراً ما يستخدم ذريعة للجمود وعدم الفعل.
في الوقت الذي يشهد فيه العالم هذه التحولات تقف دولتنا السودانية حائرة بسبب ضعف بائن في قوتها السياسية إلا أنه لا ينبغي الوقوف كثيراً عند هذه النقطة فحري بمجلس السيادة أن يعمل على مراجعة عميقة في التموضع الخارجي للبلاد فالسودان يمتلك من المقومات الجغرافية والثروات الطبيعية والموقع الجيوسياسي ما يجعله مؤهلاً ليكون رقماً صعباً في معادلات التوازن الإقليمي والدولي فساحل البحر الأحمر والحدود الممتدة مع عدد من الدول الأفريقية والموارد الزراعية والمعدنية غير المستغلة تشكل عناصر جذب حقيقية لأي قوة دولية تبحث عن موطئ قدم أو شريك استراتيجي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.
لكن تظل الإشكالية الكبرى في غياب العقل الاستراتيجي الذي يدير هذه المزايا ويحولها من عناصر كامنة إلى أوراق ضغط ومصالح تفاوضية فبدون رؤية استراتيجية واضحة تبقى هذه الميزات معطلة وتتحول إلى مطامع بدلاً من أن تكون أدوات تفاوض وشراكة.
المطلوب اليوم هو كسر الجمود والخروج من دائرة الانتظار والبدء بتأسيس شراكات مدروسة تحقق مصالح دولتنا في الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا، والتعليم والبنية التحتية وغيرها من مجالات بناء القوة الشاملة.
التحالفات لا تعني الارتهان و لا التبعية المطلقة في هذا العصر إنما تعبير عن وعي بالمصالح وقدرة على المناورة ضمن قواعد اللعبة الدولية فبلادنا ليس دولة صغيرة بلا أوراق لكنها بحاجة إلى قيادة تملك الجرأة السياسية والبصيرة الاستراتيجية والخبرة التفاوضية لكي تصنع له موقعاً ضمن خارطة التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة.
التحرك نحو حلف قوي لا يجب أن ينظر إليه على أنه تنازل عن السيادة إنما هو تعزيز لها ما دام قائماً على تبادل المنافع.
السودان بحاجة إلى عقل استراتيجي يعرف متى يصنع الحلف ومع من وكيف يدير التوازنات داخله؟ فالعالم لا ينتظر ومن لا يتحرك تحركه مصالح الآخرين.
دكتور/حسن شايب دنقس
مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية