
“الأثر الصامت: اضطرابات القلق والاكتئاب عند أطفال الحروب”
في خضم الحروب والصراعات المسلحة، غالبًا ما تتركز التغطية الإعلامية والاهتمام الدولي على الأضرار الجسدية والدمار المادي، فيما يُغفل جانب لا يقل خطورة: الأثر النفسي العميق الذي تتركه تلك التجارب القاسية، خاصة على الأطفال. يُعرف هذا التأثير بـ”الأثر الصامت”، حيث تتسلل الاضطرابات النفسية إلى أعماق الطفل، لتشكل مستقبلًا مليئًا بالتحديات النفسية والعاطفية.
أولاً: الأطفال والحرب – الفئة الأكثر هشاشة
الأطفال هم الأكثر عرضة لتأثيرات الحرب بسبب طبيعتهم النفسية غير الناضجة، واعتمادهم الكامل على بيئة آمنة لتكوين شعور بالثقة والاستقرار. ومع انهيار هذه البيئة، يبدأ الطفل في استقبال العالم كتهديد دائم، مما يمهد الطريق لظهور اضطرابات نفسية مزمنة.
ثانيًا: اضطرابات القلق عند أطفال الحروب
القلق هو أحد أبرز الاضطرابات النفسية التي تظهر لدى الأطفال المتأثرين بالحروب، ويأخذ عدة أشكال، منها:
• القلق العام: شعور دائم بالخوف والتوجس من المستقبل.
• قلق الانفصال: الخوف المفرط من فقدان الأهل نتيجة التجارب السابقة.
• الرهاب الاجتماعي: نتيجة فقدان الثقة في الآخرين بعد مشاهد العنف.
الأعراض قد تشمل الأرق، نوبات الذعر، التبول اللاإرادي، والانعزال عن المجتمع.
ثالثًا: الاكتئاب – الحزن المزمن غير المفهوم
يُعد الاكتئاب اضطرابًا شائعًا بين أطفال الحروب، خاصة بعد فقدان أحد أفراد الأسرة، أو التهجير القسري، أو التعرض المباشر للعنف. تظهر علامات الاكتئاب لدى الأطفال بشكل مختلف عن البالغين، مثل:
• الانطواء وفقدان الاهتمام باللعب
• مشكلات في الشهية والنوم
• مشاعر دائمة بالحزن أو الذنب
• انخفاض في الأداء الدراسي أو توقفه تمامًا
رابعًا: العوامل المؤثرة في شدة الاضطرابات النفسية
تتأثر شدة الاضطرابات النفسية بعدة عوامل، مثل:
• المدة الزمنية للتعرض للعنف
• وجود أحد الوالدين أو فقدانه
• الحصول على دعم نفسي أو عدمه
• العمر الزمني والعقلي للطفل عند حدوث الصدمة
خامسًا: التدخل المبكر وأهمية الدعم النفسي
تشير الدراسات إلى أن التدخل النفسي المبكر يقلل من آثار الصدمة على المدى الطويل. ويشمل هذا:
• تقديم جلسات دعم نفسي فردية أو جماعية
• دمج العلاج بالرسم أو اللعب لتفريغ المشاعر
• دعم الأسرة وتدريبها على التعامل مع الطفل المصاب
• توفير بيئة آمنة ومستقرة لإعادة بناء الشعور بالأمان