مقالات

د. حسن شايب دنقس يكتب الخطاب الاعلامي للحكومة السودانية!

خرطوم سبورت

الخطاب الاعلامي للحكومة السودانية!

 

برزت ظاهرة لافتة للنظر تتعلق بتعاطي الوزراء والمسؤولين الحكوميين مع وسائل الإعلام إذ بات الخطاب الإعلامي الصادر عنهم يتداخل بوضوح مع أدوار المحللين السياسيين متجاوزاً حدود الوظيفة الرسمية التي يفترض أن تؤطر تصريحاتهم وتضبطها وفقاً للمصلحة العليا للدولة و هيبتها.

من خلال الملاحظة والمتابعة اليومية يظهر أن كثيراً من الوزراء والمسؤولين في الحكومة لا يفرقون بين مواقعهم كصناع قرار يمثلون الدولة ومؤسساتها وبين كونهم فاعلين في الحقل الإعلامي يمكنهم الخوض في التحليلات والانفعالات والافتراضات كما يفعل أي محلل في استوديوهات القنوات الفضائية هذا الخلط في الأدوار أنتج خطاباً إعلامياً مرتبكاً يفتقر في أحيان كثيرة إلى الدقة والانسجام مما يؤثر على وحدة الموقف الرسمي الذي يفترض أن يصدر بلغة دولة لا بلغة أفراد.

الوزير في أي نظام سياسي رصين لا يظهر على الشاشات ليدلي بآرائه الشخصية حول الوضع العسكري أو الميداني أو حتى السياسي العام وإنما يفترض أن يتحدث انطلاقاً من موقعه الاعتباري كمنفذ لسياسات الدولة ملتزماً بخطاب مؤسسي واضح محكوم بالمسؤولية القانونية والسياسية غير أن الممارسة الإعلامية في الحالة السودانية خلال هذه الحرب كشفت عن تجاوز هذا الإطار حيث يظهر بعض الوزراء وهم يدلون بتوقعات عسكرية و يطلقون تهديدات و يتبنون سرديات مبنية على الانفعال دون سند رسمي أو تنسيق مسبق بما يشوش على الرسائل الرسمية ويضعف صدقيتها أمام الرأي العام الداخلي و الخارجي.

ما يفاقم الإشكال أن بعض القنوات الفضائية أصبحت تحاور هؤلاء المسؤولين بنفس الطريقة التي تحاور بها ضيوفها من المعلقين والمحللين وتتجاوز أحياناً الخطوط الحمراء في طرح الأسئلة وكأن الوزير لا يمثل سلطة تنفيذية بل مجرد شخص يعلق على الأحداث وهذا الوضع يسهم في ترسيخ حالة من التسيب الاتصالي ويقلل من هيبة المؤسسات لأن الوزير أو المسؤول عندما يفتقر إلى الضبط في تصريحاته يرسل إشارات سلبية حول وحدة الموقف الرسمي والانضباط الحكومي كما أن تعدد الروايات من قبل مسؤولين مختلفين حول نفس الموضوع مثل سير المعارك أو المواقف من التفاوض يحدث بلبلة في الساحة الإعلامية ويمنح الخصوم أدوات دعائية لتفكيك الموقف الرسمي ناهيك عن انعكاساته السلبية على معنويات المواطنين وقوات الدولة التي تقاتل في الميدان.

ضبط الخطاب الإعلامي الرسمي في السودان يجب إعادة صياغته بما يحقق الرؤية والرسالة الاعلامية كما يجب أن تكون هنالك نشرة اعلامية يومية يصدرها الناطق الرسمي باسم الحكومة يتولى مخاطبة وسائل الإعلام و تمليكهم المعلومات اليومية بما لا يمس الأمن القومي في ظل معركة الكرامة دحضاً للشائعات على أن تلتزم باقي الشخصيات الحكومية بالتحفظ عن التصريحات وألا تخرج إلى المنابر الإعلامية إلا في إطار تنسيق مؤسسي صارم يعكس وحدة القرار ويعزز ثقة الداخل والخارج في الدولة ومؤسساتها فالحرب ليست مجرد معركة على الأرض فهي معركة رواية أيضاً والرواية الرسمية لا يمكن أن تدار بالعشوائية والارتجال.

 

دكتور/حسن شايب دنقس

مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى