
التحالف السوداني الروسي ضرورة إستراتيجية
المتغيرات الدولية المتسارعة التي تشهدها الساحة العالمية لم تعد تجعل الدول تقف متفرجة على إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي بل أصبح من الضروري لكل دولة خصوصاً تلك التي تعاني من تحديات أمنية وسياسية واقتصادية أن تعيد حساباتها الاستراتيجية وأن تبحث عن شركاء دوليين فاعلين لضمان أمنها القومي ومصالحها الحيوية السودان بخصوصيته الجيوسياسية ليس إستثناءً من هذه القاعدة فهو أحوج من غيره إلى إعادة صياغة تحالفاته الخارجية وفقاً لمصالحه الوطنية العليا في هذا السياق تبرز اتفاقية التعاون المشترك بين السودان وروسيا كفرصة استراتيجية كان ينبغي إستثمارها مبكراً خصوصاً أن موسكو أبدت استعداداً واضحاً لتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع الخرطوم.
تأخر إعلان الحلف و المضي قدماً في توقيع و تفعيل الاتفاقية يثير تساؤلات عديدة تتعلق بتردد مجلس السيادة في اتخاذ قرارات حاسمة في توقيت يتطلب شجاعة سياسية وتقديراً دقيقاً للواقع الجيوسياسي هذا التردد على الأرجح يعكس ضغوطاً إقليمية ودولية تخشى من أن يؤدي تقارب الخرطوم مع موسكو إلى إعادة رسم خارطة التوازنات في البحر الأحمر والقرن الأفريقي غير أن الحسابات السودانية يجب أن تبنى أولًا وأخيراً على مصلحة البلاد العليا لا على إرضاء أطراف لا تقدم بدائل حقيقية سوى المزيد من التبعية والوعود المؤجلة.
المكاسب التي يمكن أن تجنيها الحكومة السودانية من المضي في هذا الاتفاق ليست رمزية إنما استراتيجية بامتياز فمن ناحية أمنية سيعزز التعاون مع روسيا القدرات الدفاعية للبلاد خاصة المنظومات الدفاعية و الهجومية التكنلوجية التي البلاد في أمسَّ الحاجة إليها في ظل تحديات داخلية وإقليمية متفاقمة و من ناحية اقتصادية يمكن للاتفاق أن يفتح آفاقاً جديدة للاستثمارات الروسية في البنية التحتية والطاقة والتعدين و الصناعات و التقنية الزراعية إلى جانب طرح الحكومة لبرنامج المنظومات الاقتصادية التي من شأنها أن تقضي على كل مشاكل السودان من لدن الاستقلال بسبب غياب التنمية المتوازنة التي أدت إلى إفقار بعض المجتمعات و انتشر الجهل فيها و كانت نتيجته الغبن الاجتماعي الذي أفرز واقعنا الذي نعيش فيه الآن هذا الحديث يدركه كل من له علاقة بالدراسات الاستراتيجية.
لذا أعتقد أن شراكة مع قوة عالمية مثل روسيا ستعزز من موقع السودان التفاوضي مع القوى الأخرى وستمنحه هامشاً أوسع في إدارة علاقاته الخارجية بعيداً عن ضغوط المحاور التقليدية.
الأمن القومي السوداني لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار أو الحسابات الضيقة فالعالم اليوم يقوم على الأحلاف ومن لا يملك تحالفاً قوياً يكون عرضة للعزلة والابتزاز السياسي والاقتصادي و قد أثبتت التجارب في المنطقة أن الدول التي اختارت شراكات استراتيجية جريئة هي التي نجحت في حماية سيادتها وتحقيق مصالح شعبها عليه فإن توقيع اتفاقية التعاون مع روسيا يجب ألا ينظر إليها من منظور سياسي ضيق إنما باعتباره خياراً استراتيجياً طويل المدى ينسجم مع ضرورات المرحلة ويعيد للبلاد قدراً من الفاعلية في محيطها الإقليمي والدولي.
إن المراهنة على الحياد و التريث في عالم اليوم هي مراهنة خاسرة لا سيما لدولة تواجه تحديات معقدة مثل السودان المطلوب من الحكومة أن تتحرر من الخوف وأن تتحرك بثقة نحو شراكة تعيد الاعتبار للسيادة الوطنية وتؤسس لعلاقات خارجية مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة فليس للبلاد ما تخسره بعد هذه الحرب التي يجب نعيد فيها النظر في إستراتيجياتنا الداخلية والخارجية لأن اللحظة الراهنة تستدعي قرارات سيادية لا مناورات سياسية.
دكتور/حسن شايب دنقس
مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية