
السيطرة على الإعلام.. فن إدارة الأزمات
عثمان ميرغني
الأداء الإعلامي للدولة، خاصة في أوقات الأزمات، يُقاس بمؤشرات “السيطرة” على النطاق الإعلامي. قد يبدو مصطلح “النطاق الإعلامي” غريبًا لبعض القراء، لكنه يشبه إلى حد كبير مفهوم “عرض النطاق” (Bandwidth) في اتصالات الكمبيوتر، حيث يُمثل الحيز المتاح لتدفق المعلومات.
لنفترض أن “النطاق الإعلامي” يُحسب بالنسبة المئوية، فالحد الأقصى هو 100%. يصبح المطلوب قياس النسبة التي يتوزع عليها هذا النطاق حسب انشغالات الرأي العام.. وتحديد امكانية ادارة “النطاق الاعلامي” بما يوفر أعلى قدر من التأثير وصناعة الرأي العام. وهذا ما أسميته القدرة على “السيطرة” Control.
“السيطرة” على الإعلام لا تعني “التسلط” على وسائل الإعلام، كما قد يتبادر إلى أذهان البعض، بل تتمثل في القدرة على إدارة الرسائل الإعلامية التي تملأ الفضاء الإعلامي بمختلف أنواعه ودرجاته.
يقول الشاعر والفنان الأمريكي جيم موريسون: “من يسيطر على الإعلام، يسيطر على العقول”. والسيطرة على العقول تعني القدرة على توجيه الأجندة الإعلامية بما يحقق الأهداف المرجوة بأفضل طريقة ممكنة.
تُحسب معدلات السيطرة على الإعلام بشكل دوري – يوميًا، أسبوعيًا، أو شهريًا – أو حسب طبيعة الأزمة ومدتها. في ظل الأوضاع الحرجة التي يمر بها السودان، يلعب الإعلام دورًا لا يقل أهمية عن الأدوار العسكرية، إذ يتطلب تخطيطًا دقيقًا وعملًا مدروسًا لتحقيق النتائج المرجوة بأقل التكاليف وأسرع الطرق.
كيف تتحقق السيطرة على الإعلام؟ يجب التأكيد أولًا على الفرق بين “الإعلام” و”وسائل الإعلام. الإعلام: هو الفعل أو الحدث الذي يُنتج صدى إعلاميًا.
أما وسائل الإعلام فهي الأدوات التي تنقل هذا الصدى إلى الجمهور.
الإعلام صناعة مخطط لها بعناية، تعكف عليها عقول خبيرة لتصميم “مولدات” المواد الإعلامية. والمقصود بـ”مولدات المواد الإعلامية” هو الأحداث، الأفعال، الأقوال، الحركة، أو حتى السكون، التي تُولد رسائل إعلامية جاذبة لانتباه وسائل الإعلام المؤسسية والجماهيرية.
لنأخذ مثالا عمليا لتوزيع النطاق الإعلامي. دعونا نلقي نظرة على توزيع النطاق الإعلامي في السودان يوم أمس الجمعة 9 مايو 2025، بنسب تقديرية:
30% هجوم المسيرات على بورتسودان.
10% هجوم المسيرات على مدن أخرى.
10% أحداث متنوعة، مثل حريق سوق البصل في سوق الدبة.
50% “برومو” حوار نانسي عجاج.
من هذا التوزيع، يتضح أن الجزء الأخير فقط هو نتاج تخطيط إعلامي مدروس، بينما البقية كانت أحداثًا عفوية أو ردود فعل. هنا تظهر أهمية “السيطرة” على الإعلام، إذ إن غياب التخطيط يجعل الأجندة الإعلامية خاضعة للصدفة، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
تحقيق السيطرة على الإعلام يتطلب عقولًا خبيرة قادرة على التخطيط المسبق، مع مراعاة الظروف والأهداف المنشودة. في مقال لاحق، سنوضح هذه الفكرة بمثال عملي يبرز كيفية تصميم استراتيجيات إعلامية فعّالة.
#حديث_المدينة السبت 10 مايو 2025