
الصحفيون يصنعون من هؤلاء مجداً زائفاً!
لا تزال معضلة الحكم في السودان محكومة بمنطق مفارق لكل ما يمكن أن يبنى عليه وطن رشيد فالذي يسفك الدماء ويغذي العنف ويتكئ على إرث من الجرائم والانتهاكات لا يجد فقط من يبرر له فعله بل يقدم على أنه المنقذ والرجل القوي وصاحب الكلمة فيمنح المناصب العليا وتفرش له السجادات الحمراء ويهرول إليه الإعلاميون والساسة والوجهاء متوددين كأنهم أمام قدر لا مفر منه بينما يُدفع بأهل الكفاءة والخبرة والضمير إلى هامش الحياة العامة و إلى منافي الروح والجسد هذا الواقع الشاذ لا ينتج إلا مزيداً من الفشل وفي مثل هذه الطقوس السياسية المعطوبة تصنع الطواغيت ويعاد إنتاج منظومة القهر باسم الواقعية و الاستقرار أو الضرورة الوطنية و شيء من هذا القبيل بينما تقصى العقول وتحاصر الخبرات ويحارب كل من يدعو إلى دولة القانون والمؤسسات.
المأساة لا تقف عند حدود الظلم بل تتعداها إلى كارثة وطنية أشمل حين يصبح أمن البلاد القومي مستباحاً بسبب هشاشة من يتولون أمره فالمخابرات الأجنبية لا تبحث كثيراً لتخترق مفاصل الدولة إذ تجد أمامها شخصيات خالية من أي مضمون فكري أو فهم عميق لطبيعة الأمن ومهدداته لكنها متشبثة بالسلطة وجاهلة بأبسط قواعد الإدارة والسيادة هؤلاء هم الأقرب للاختراق لأنهم الأبعد عن إدراك أهمية القرار ومسؤولية الموقع وحرمة الوطن هم لا يرون إلا أنفسهم ولا يتحركون إلا بدافع الغنيمة لا المصلحة العليا.
والمجتمع بطبقاته المتعلمة والنخبوية يشارك في هذه الجريمة التاريخية بصمته و تزلفه و الإعلاميون أو بالأحرى الصحفيون يصنعون من هؤلاء مجداً زائفاً والساسة الذين يهادنونهم طلباً للمنفعة والرموز التي ترتمي في أحضان القوة الغاشمة وهماً بأنهم يحفظون مكانتهم كل هؤلاء يساهمون في تكريس الوضع الشاذ وفي تعميق الخلل البنيوي في الدولة السودانية.
وعندما تقع النازلة كما يحدث في كل مرة يهرب الجميع من حول هؤلاء يتبرأون من المسؤولية يتحدثون كأنهم لم يكونوا جزءاً من المشهد وهكذا تتحول السياسة إلى ساحة عبث لا يحاسب فيها أحد ولا يراجع فيها شيء ويعاد إنتاج الفشل باسم المصلحة وبشعارات مضللة.
إن أحد أخطر اختلالات الدولة السودانية هو تولية الأمر لغير أهله دون اعتبار للكفاءة أو الأمانة أو التأهيل الحقيقي سواء في الإدارة أو الأمن أو السياسة وهذا الخلل أكثر من كونه عيباً إدارياً هو مهدد وجودي لأنه يسلم مفاتيح البلد لمن لا يدرك حتى معنى أن تكون مسؤولًا عن مصير شعب.
دكتور/حسن شايب دنقس
مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية