مقالات

عثمان ميرغني يكتب: المسافة بين السلطة… والدولة

خرطوم سبورت

المسافة بين السلطة.. والدولة..

 

عثمان ميرغني

 

السودان عمره المستقل شارف السبعين سنة.. وخلال تجاربه المريرة في الحكم والسياسة.. ظلت دائما المعضلة هي متلازمة السلطة والدولة.. التمييز بين احكام قبضة السلطة.. والتحكم في الدولة..

و نتيجة هذا الخلط عانى السودان من مرارات الاحتراب الداخلي.. دفع ثمنه الشعب انهارا من الدماء و عهودا من ظلمات البؤس في الحياة و التخلف في كل مناحي الدولة.

حتى الآن.. الوضع لم يتغير..

 

صحيح هناك سلطة.. و لكن في المقابل يغيب “التحكم!” في الدولة..

التحكم هنا لا يقصد بها السيطرة والقهر والاستبداد.. بل القدرة على ادارة كل تفاصيل الدولة معطياتها بحيث تشح لدرجة العدم فرص أن تتعرض الدولة لأقدار غير مخطط لها أو مسيطر عليها..

التحكم في الدولة لا يتحقق بغير عمل كل مؤسساتها و باتساق كامل..

أشبه بماكينة ضخمة تديرها تروس كثيرة ، لا تدور إلا إذا انسجم التروس في دورانها وسرعتها..

 

كيف يتحقق التحكم في ادارة الدولة؟

تتشكل الدولة من قطاعات أفقية و طبقات رأسية.. القطاعات هي الادارات والمكونات في الخدمة والمدنية والقطاع العام . والقطاع الخاص.. مع المكونات المساعدة مثل منظمات المجتمع المدني والأطر الأهلية وغيرها.

 

أما الطبقات الرأسية.. وهي الأهم.. فهو مستويات الادارة والتحكم.

من أعلى سنام القطاع السيادي.. ونزولا بهياكل القطاع الوزاري.. من قمة سنامها إلى أدنى موظف فيها.. و الهيئات الموازية، مثل مؤسسات العدالة.. والتشريع والرقابة.. وغيرها من قمة رأسها إلى أدنى سلمها الوظيفي.

 

خيط واحد ينظم هذا العقد بمنتهى الدقة والنظام.. ليشكل دولة كاملة الدسم لها ارادة و قدرة على التحكم في مواردها البشرية والمادية والمعنوية والأخلاقية.

في الوضع الراهن.. ونتيجة الخلط بين السلطة والدولة.. فإن قوام الدولة يبدو شبحيا يصعب الامساك به.. للدرجة التي تُظهر الدولة أحيانا كأنما لو انشغل عقلها بموضوع أو قضية بعينها لم يستطع التفكير في غيره.. أقرب للمثل الذي يضرب للرجل الذي لا يستيطع المشى والكلام في الوقت ذاته..

إذا أراد الحركة فلا بد أن يتوقف عن الكلام.. و إذا اراد الكلام فلابد أن يتوقف عن الحركة.. هذا هو بالضبط حال دولتنا الآن..

و مثل هذا الوضع يسبب غرقها في التفاصيل واليوميات مما يضيع فرص التفكير في المستقبل والتخطيط .

من هنا يحتاج الدكتور كامل ادريس رئيس الوزراء الجديد أن يبدأ.. من نقطة فك الارتباط بين السلطة عن الدولة.. دون عزلهما..

 

#حديث_المدينة الثلاثاء 10 يونيو 2025

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى