مقالات

المشروع الوطني لم يولد بعد

خرطوم سبورت

المشروع الوطني لم يولد بعد

 

لا يزال المشروع الوطني الذي ننتظره في السودان حبيس الرغبات المتنازعة والرهانات السياسية الضيقة فالحظات التاريخية يفترض أن تكون مدخلاً لبناء دولة جديدة بعد كل ما جرى من انهيارات وصدمات إلا أن التشكيل الوزاري لحكومة الأمل التي طرحها رئيس الوزراء تمثل في حد ذاتها اختباراً حاسماً لقدرة النخبة السياسية على الارتقاء إلى مستوى التحديات الوطنية و في ذلك لدي رؤية نقدية تجاه الأحزاب و النخبة السياسية في البلاد في شتى الحقب ما بعد الاستقلال أعلم أنها غير مستساغة لديهم و هي أنهم أحد الأسباب الرئيسة لعدم الاتفاق على المشروع الوطني و الدلالة على ذلك أن من أهم أسباب انهيار التجارب الديمقراطية الثلاث في البلاد هي :

* عدم توافقهم على القيم و الثوابت الوطنية التي هي اللبنة الأساسية لبناء الدولة.

* لم تتوافق الأحزاب السياسية على دستور دائم للبلاد.

* عملت على تقديم المصالح الحزبية على المصالح الوطنية.

* الممارسة السياسية للأحزاب السودانية غير راشدة و تفتقد لقيم و معايير الديمقراطية داخلها و حينما تكون في المعارضة تحارب الدولة و تعمل على هد أركانها لكي تسقط الحكومات!

* الصراعات بين الأحزاب و الانشقاقات أثرت على العملية السياسية في البلاد.

* كثرة عملية سحب الثقة من حكومتا فترتا الديمقراطية الأولى و الثانية بسبب الخلافات.

 

كل هذه المظاهر السياسية السالبة تعيد إنتاج الإشكاليات ذاتها التي حالت دون استقرار البلاد لعقود.

الخلاف الراهن لا يتعلق بنسبة مشاركة الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا إذ أن نسبة الـ25٪ المنصوص عليها في الاتفاقية واضحة ولم تكن محل جدل إلا أن الجوهر يكمن في التنافس على الوزارات ذات الثقل السياسي و الاقتصادي وهو ما يكشف عن غياب الرؤية الاستراتيجية الموحدة لصالح ترتيبات محاصصة تحكمها الذهنية المطلبية لا الوطنية.

 

تمسك بعض الأطراف بوزارات بعينها دون اكتراث لحجم التحديات الوطنية يشي بأن منطق السلطة لا يزال متقدماً على منطق الدولة هذا الواقع يعيد إلى الواجهة السؤال القديم الجديد من يحكم السودان؟ وليس كيف يحكم السودان؟ وهو سؤال يمثل مأزقاً عميقاً لا يمكن تجاوزه إلا بإرادة سياسية تضع الوطن فوق كل اعتبار.

 

في ظل هذا المشهد لا يبدو لي أن المشروع الوطني الذي طالما حلم به السودانيون كرافعة للتحول الديمقراطي والسلام الشامل والتنمية المستدامة قد ولد بعد فما زالت الحسابات الحزبية والمكاسب الذاتية والتنازع على المواقع تسبق أي حديث عن الدولة والمواطنة والعدالة الانتقالية وعن إعادة بناء المؤسسات على أساس المهنية والكفاءة.

 

وما يزيد من تعقيد المشهد أن الحركات الموقعة على اتفاق جوبا والتي كان لها دور مشهود في معركة الكرامة الجارية الآن لا تزال تحاصر نفسها في إطار المطالبة بالسلطة بدلاً من التقدم إلى الأمام بوصفها شريكاً في صناعة الدولة لا طرفاً في تقاسمها فالمشاركة في معركة الكرامة ضد مليشيا الدعم السريع والمساهمة في الدفاع عن وحدة التراب الوطني يجب أن تكون مناسبة لتأكيد الالتزام بقيم الوطن لا مناسبة لتحسين المواقع التفاوضية.

 

أعتقد أن البلاد بحاجة إلى عقد سياسي جديد يعمل على تغيير ثقافة تقاسم الغنائم ويؤسس لمرحلة تكون فيها المسؤولية تكليفاً لا تشريفاً وما لم يحدث ذلك فإن المشروع الوطني سيظل بعيد المنال.

 

دكتور/حسن شايب دنقس

مدير مركز العاصمة للدراسات الطسياسية و الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى