مقالات

عثمان ميرغني يكتب (حالة نفاق سياسي)

خرطوم سبورت

حالة نفاق سياسي.. عندما كنا في المدرسة خلال مراحل التعليم العام.. كانت عطلة “الكريسماس” في تقويمنا المدرسي مثلها وعطلة المولد النبوي الشريف.. لم يكن في خاطرنا احساس بفرق بين المناسبتين.. هذا نبينا وهذا أيضا نبينا.. رسالتان سماويتان تكملان بعضهما.. ولم يكن زملاء الدراسة من المسيحيين يعانون صراعا ضميريا وهم أيضا يتمتعون معنا بعطلة المولد النبوي. مرت على السودان حكومات و عهود سياسية سادت ثم بادت لكن لم نر رئيس الدولة يصدر بيانا موجه للشعب للتهنئة بالكريسماس.. لا فعل ذلك الأزهري ولا نميري.. بالمقابل و لا بيان يهنيء بالمولد النبوي الشريف..ولم يكن أحد من السودانيين يحس أن غياب البيانات الرسمية و التهنئة الرسمية يخصم من هذا الدين لصالح ذاك. إلى أن جاء الزمن العجيب.. بعد بانت للسودانيون الشجرة المحرمة (فأكلا منها فبدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة..).. عندما جاء عهد الانقاذ وأيقظ الشعور بالفوارق الدينية.. وبدلا من أن يكون الدين جامعا للناس أصبح مفترق الطرق.. من لحظتها بدت الحاجة لخطاب ينافق الأديان.. تحت عباءة التسامح الديني.. أمس -بمناسبة الكريسماس- انتشرت في وسائط التواصل بيانات التهنئة بمناسبة عيد ميلاد سيدنا المسيح.. من رأس الدولة إلى أخمص قدميها.. بل البعض ممن لا يحملون صفة رسمية ولا شعبية أحس بأن نشر تهنئة في صفحته بالوسائط يمنحه درجة من الفخامة.. و علامة استنارة وتحض.. كونه متسامح دينيا!! والذي يثير الدهشة أكثر.. في بعض الفعاليات العامة تفتتح بآيات من القرآن الكريم.. ثم يُطلب من أحد رموز المسيحيين أن يتلو، أيضا، من الكتاب المقدس، رغم أن المسيحيين لم يتعودوا على مثل هذا البروتوكول لكن افتعال التسامح هنا هو عين التغابن. الاحتفال؛ أي احتفال هو محض تعبير عن سرور وفرح بمناسبة ما.. قد تكون شخصية أو عائلية أو مجتمعية على نطاق القرية أو الحي أو المدينة أو الولاية أو الدولة.. تختلف الأسباب ولكن تتفق في كونها مساحة زمنية محجوزة للتعبير بالفرح بمختلف الأساليب.. ملبس جديد.. تزيين البيوت.. اعداد الكعك و المخبوزات.. زيارات لأماكن دينية أو تاريخية أو تراثية.. والشعور بالفرح مثل الشعور بالحب أمر لا يستوجب حيثيات و إبراز البطاقة الشخصية واثبات حسن النية.. فهو شعور واحساس يتمدد في الفضاء الانساني بلا حواجز تفتيش. خلال فترة سابقة.. كانت شوارع الخرطوم تكابد انتشار ملصقات تدعو المسلمين لعدم الاحتفال بالكريسماس بل و رفض تهنئة المسيحيين بأعيادهم.. دعوة لاشاعة الكراهية المجانية و لنزع الرحمة من الأديان.. ويبلغ العدل أقصى مراتب الظلم عندما يفتعل نفس دعاة الكراهية الحملة ذاتها في مناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم.. يخوضون معارك في ساحة المولد ضد المحتفين به. من الحكمة ان ندرك أن قوام الدين الاسلامي هو “العلاقة مع الآخر”.. الآخر إنسانا أو حيوانا أو نباتا أو جمادا أو بيئة.. وجعل الاسلام المحك في المسلك المستقيم أن تستوي العلاقة مع الآخر على أعلى الدرجات. (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..) (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) وقال صلى الله عليه وسلم .. (ما زال جبريلُ يُوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه..) (عُذّبت امرأة في هرّة ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها ، ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) و غيرها نصوص كثيرة.. من الحكمة أن ندرك أن الناس سواسية في الإنسانية.. .

#حديث_المدينة الخميس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى