مقالات

عثمان ميرغني يكتب كيف نواجه العقوبات الأميريكية؟

خرطوم سبورت

كيف نواجه العقوبات الأمريكية؟

من المهم أن ندرك أن العقوبات التي فُرضت بحق رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان، اعتمدت بشكل أساسي على رفضه الانخراط في المفاوضات، خاصة الجولة التي عُقدت في سويسرا في أغسطس 2024. صحيح أنه تم الإشارة إلى أسباب إضافية، لكنها مجرد محاولة لزيادة ثقل الحيثيات.

من هذا المنطلق، فإن الأمر كله يتوقف على تغيير السياسة التي اعتمدها البرهان في التعامل الخارجي. مع مراعاة أن الوضع الآن تغير كثيرًا، لم تعد المفاوضات بشكلها السابق مطلوبة أو مرغوبة من جانب الشركاء الدوليين والإقليميين الذين رَعَوا المفاوضات في منبر جدة ثم في سويسرا، والتي تكونت منها آلية ALBAS

حاليًا، مطروح على الطاولة مفاوضات بين السودان والإمارات برعاية تركية أو مصرية. وهو مسار يستهدف العلاقات الثنائية بين البلدين، وفي طياته يخاطب أيضًا ملف الحرب.

بالضرورة، انخراط البرهان في مفاوضات جادة مع الإمارات في ظل الوساطة التركية أو المصرية سيجعل الولايات المتحدة الأمريكية تعيد النظر في العقوبات التي أعلنتها تجاه البرهان. ويساعد في ذلك أن الإدارة الجديدة تحت رئاسة -دونالد ترامب – قد تكون راغبة في تحقيق انتصار سريع في ملف السودان، يثبت أنها أقدر من سابِقِها- جو بايدن – في إدارة ملفات الصراعات الدولية، كما نجحت في ملف الشرق الأوسط بالاتفاق الأخير.

العقوبات التي أعلنتها أمريكا ضد البرهان ضررها المباشر يقع على المواطن السوداني والوطن السوداني. ولعل الرئيس البرهان لا يستمع للأصوات التي تهون من شأن العقوبات وتدعو للإمعان في المواجهة. فرغم كون العقوبات موجهة مباشرة لشخص البرهان، فإن مجرد معاقبة رأس الدولة كافٍ لدفع البلاد كلها إلى نفق مظلم باهظ التكاليف، وفي معركة بلا معترك، السودان في غنى عن خوضها.

مهرجانات الخطابة والبيانات التي تصدر من الأحزاب والجهات الرسمية لا تجدي نفعًا، ولا تغير من واقع الحال. ومن يظن أن الهياج والتهييج يصنع شعبية فهو محض تبسيط. من الحكمة أن ننظر بجدية وبلا مجاملة لمعالجة الأزمة.

الأمر في يد البرهان، فهو الممسك بالقرار السيادي في الدولة ويمكنه إدارة ملف هذه الأزمة الجديدة بصورة تراعي المصالح القومية، دون اعتبار لأية إسقاطات أخرى. وذلك على النحو التالي:

– تبني سياسة خارجية منفتحة ترتبط بالشركاء الدوليين والإقليميين بلا أدنى حرج. فالدبلوماسية واحدة من مصادر القوة الناعمة في عالم اليوم، وتدار بالعقل والحنكة.

– الاستفادة من المبادرة التركية أو المصرية في الانخراط في مفاوضات مع الإمارات تقتصر على بحث ملفات العلاقات الثنائية، واستعادة التمثيل الدبلوماسي، وتلقائيًا سينسحب الأمر على ملف الحرب والدور الإماراتي في وقفها.

– والأهم من كل ذلك، ضرورة مراجعة الجبهة الداخلية السودانية وتبني حوار سوداني شامل لا يستثني أحدًا، لا ليبحث في الأزمة أو تداعياتها، بل لتكوين منصة انطلاق دستورية، فلتكن مجلسًا تشريعيًا أو أيّة هيئة تأسيسية تفتح المجال لانطلاق قطار بناء الدولة السودانية على أسس حديثة تتخطى الماضي والراهن المعطوب.

جربنا في عهد البشير مثل هذه الأجواء الهياجية والمسيرات والشعارات، وثبت عمليًا أنها لم تغير الواقع ولم توقف الأزمات.

من حق شعب السودان أن يرتاح من العقوبات والأزمات.

#حديث_المدينة السبت 17 يناير 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى