مقالات

د. حسن شايب دنقس يكتب الأمن يتحرك بتغير القوى

خرطوم سبورت

الأمن يتحرك بتغير القوى

 

زيارة مدير المخابرات الإثيوبي إلى السودان والتي سبقتها زيارة مدير جهاز المخابرات أفريقيا الوسطى محطتان مهمتان في إطار التحولات الجارية في المشهد السوداني التي إنعكست على الإقليم السودان هاتان الزياراتان وإن بدت في ظاهرها ذات طابع أمني و تنسيقي إلا أنها تحمل في جوهرها رسائل سياسية واستراتيجية بالغة الدلالة خاصة في ظل تصاعد العمليات العسكرية التي تخوضها القوات المسلحة ضد مليشيا الدعم السريع والتي أحرزت فيها تقدماً لافتاً في عدد من الجبهات.

تأتي هذه التحركات الاستخباراتية في توقيت حساس يتقاطع فيه ما هو ميداني مع ما هو سياسي فالجيش الذي نجح في استعادة مساحات واسعة كانت تحت سيطرة المليشيا بدأ يستعيد شيئاً من المبادرة في الميدان الأمر الذي دفع الأطراف الإقليمية إلى إعادة ضبط علاقاتها مع الخرطوم بناءً على هذا المتغير الجديد إذ أن معادلة القوة الداخلية في السودان تشكل عاملاً حاسماً في كيفية تموضع الدول المجاورة منه خصوصاً تلك التي تتقاطع مصالحها الأمنية و الاقتصادية مع استقرار البلاد وفي مقدمتها إثيوبيا و أفريقيا الوسطى و جنوب السودان و تشاد و ليبيا بإعتبار أن مصر و أريتريا أعلنتا موقفهما الواضح منذ البداية بدعمهما للمؤسسة العسكرية ضد المليشيا.

زيارة رئيس جهاز المخابرات الإثيوبي تعكس تحولاً في نظرة أديس أبابا للمشهد السوداني فبينما اتسم الموقف الإثيوبي بدعمه للمليشيا و للذراع السياسي لها في الأزمة التي تمر بها البلاد فإن الحراك الأخير يشير إلى رغبة إثيوبية في إعادة ترتيب خطوط التواصل مع القيادة السودانية ربما في إطار إدراكها المتأخر بأن الجيش يمضي نحو تثبيت سيطرته على مفاصل الدولة أو ربما رغبة الإمارات في تسوية الأمر مع حلفائها الذين أشعلوا نار الحرب في البلاد بعد اهتزاز صورة الإمارات أمام المجتمع الدولي و قرب الجيش على حسم المعركة لكن رؤية الحكومة السودانية في ذلك واضحة هي خروج المليشيا من المشهد العسكري و السياسي إن كانت هنالك تسوية قادمة

كما أن إثيوبيا تربطها مصالح أمنية واقتصادية مباشرة مع السودان خاصة في ملف سد النهضة والمناطق الحدودية قد تكون بصدد توجيه رسائل تطمين أو حتى عرض أشكال جديدة من التعاون تضعها في موقع متوازن مع الخرطوم في المرحلة القادمة.

أما زيارة مدير جهاز المخابرات أفريقيا الوسطى التي سبقت الإثيوبي أتت في ذات الإطار و مهدت له و هذا ما يعضد فرضية أن الإمارات تريد التسوية السياسية.

المعاني الضمنية لهاتين الزيارتين تتصلان أيضاً بإدراك متزايد لدى الدول الإقليمية والدولية بأن رهاناتها السابقة على مليشيا الدعم السريع فقدت صلاحيتها و أن الانتصارات التي تحققها القوات المسلحة والدعم الشعبي المتنامي لها في عدد من المدن إضافة إلى فشل المليشيا في ترسيخ أي إدارة سياسية أو ما تسمى مدنية في المناطق التي سيطرت عليها كلها عوامل تعزز من مكانة الجيش كممثل شرعي للدولة السودانية في نظر الفاعلين الخارجيين.

هذه التحركات الاستخباراتية الإقليمية قد تكون تمهيداً لمرحلة جديدة من الاعتراف الواقعي بنتائج المعركة العسكرية والسياسية في السودان وفتح قنوات التواصل مع القيادة التي ستنبثق عن هذا الواقع الجديد لا سيما بعد تسلم رئيس الوزراء كامل ادريس لمهامه و قد رحب الاتحاد الأفريقي بهذه الخطوة التي ستكون مفتاح الاستقرار في السودان و المنطقة هذه الزيارات ليست معزولة عن الانتصارات الميدانية للجيش ولا يمكن فصلها عن إعادة رسم التحالفات في المنطقة فالدول لا تتحرك أمنياً إلا عندما تشعر بتغير في توازن القوى وما يحدث في السودان اليوم هو إعاد ترتيب أولويات عدد من اللاعبين الإقليميين ومن بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة فإن الرسالة الكبرى التي تحملها هذه الزيارات هي أن السودان بدأ يعود تدريجياً إلى قلب المعادلة الإقليمية كلاعب فاعل وأن انتصارات الجيش ليست مجرد تحولات ميدانية إنما إشارات لإعادة تشكيل مركز الدولة من جديد وهو ما تسعى الأطراف المختلفة إلى فهمه والتفاعل معه قبل أن يترجم إلى معادلات سياسية ودبلوماسية جديدة في المنطقة.

 

دكتور/حسن شايب دنقس

مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى