مقالات

د. محمد عبدالرحمن يكتب مأساة مرضى السكري في مناطق النزاع: صراع صامت في ظل الحروب

خرطوم سبورت

مأساة مرضى السكري في مناطق النزاع: صراع صامت في ظل الحروب

 

في خضم الأزمات الإنسانية والصراعات المسلحة، غالبًا ما تتركز التغطيات الإعلامية والجهود الإغاثية على الإصابات المباشرة والدمار الظاهر. إلا أن هناك مأساة صامتة لا تحظى بالاهتمام الكافي: معاناة مرضى الأمراض المزمنة، وعلى رأسهم مرضى السكري، الذين يعيشون مأساة يومية تتفاقم بصمت في مناطق النزاع.

 

السكري: مرض لا ينتظر الحروب

 

مرض السكري، سواء من النوع الأول أو الثاني، يتطلب نظامًا علاجيًا صارمًا لا يحتمل الانقطاع. يحتاج المرضى إلى جرعات منتظمة من الأدوية، قياسات دورية لمستوى السكر، ونظام غذائي خاص، وهو ما يصبح شبه مستحيل في ظل الانهيار الكامل للأنظمة الصحية في مناطق النزاع.

 

الأنسولين… دواء محاصر

 

الأنسولين هو شريان الحياة لمرضى السكري من النوع الأول، لكنه سلعة نادرة في مناطق النزاع. يتطلب هذا العقار حفظًا في درجات حرارة منخفضة، وهو تحدٍ لوجستي كبير في بيئات تفتقر للكهرباء أو وسائل التخزين المناسبة. في كثير من الأحيان، يضطر المرضى إلى تقليل الجرعات أو إطالة مدة الاستخدام، ما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، كالغيبوبة السكرية أو حتى الوفاة.

 

غياب الغذاء المتوازن

 

تلعب التغذية دورًا محوريًا في السيطرة على مرض السكري، ولكن في مناطق الحرب، يصبح الحصول على الغذاء الصحي ترفًا لا يمكن تحقيقه. ما يتوفر غالبًا هو ما يسد الجوع فقط، دون أي اعتبار للحالة الصحية، مما يفاقم تدهور الحالة المرضية ويزيد من معدلات المضاعفات.

 

انهيار الرعاية الصحية

 

مع تهجير الملايين بسبب النزاعات، يجد مرضى السكري أنفسهم دون رعاية طبية منتظمة. في مخيمات النزوح والملاجئ، تغيب أدوات فحص السكر والأدوية الأساسية، وتغيب الكوادر المدربة. وتُعطى الأولوية للحالات الطارئة، بينما تُهمَّش الأمراض المزمنة، رغم أن تجاهلها يؤدي إلى كوارث صحية صامتة.

 

مسؤولية إنسانية ملحّة

 

من الضروري أن تُدرج الأمراض المزمنة، وخصوصًا السكري، ضمن خطط الإغاثة العاجلة. يجب أن تشمل المساعدات الإنسانية توريد الأدوية المزمنة، وتوفير أدوات الفحص، وتدريب الطواقم الميدانية على إدارة هذه الحالات. كما أن توظيف تقنيات مبتكرة لحفظ وتوصيل الأنسولين، وتوفير التوعية للمرضى حول إدارة المرض في الظروف الصعبة، يجب أن يكون أولوية قصوى.

 

إن معاناة مرضى السكري في مناطق النزاع ليست مجرد تفاصيل هامشية، بل مأساة إنسانية تمس حياة آلاف الأشخاص يوميًا. هؤلاء المرضى لا يحملون السلاح، لكنهم يقاتلون يوميًا من أجل البقاء. دعمهم ليس خيارًا، بل التزام أخلاقي وإنساني يجب أن يُترجم إلى أفعال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى