مقالات

د. حسن شايب دنقس يكتب :كاودا.. هل أصبح الصعب ممكناً؟ 

خرطوم سبورت

كاودا.. هل أصبح الصعب ممكناً؟

 

القوات المسلحة تخوض حرب شرسة للغاية ضد مليشيا الدعم السريع بل و ضد قوى إقليمية و دولية حاكت و لا زالت تحيك المؤامرات في البلاد من أجل تحقيق أهدافها و غاياتها لكن هيهات هيهات الجيش خلال الأيام الماضية أحرز تقدماً كبيراً في جنوب و غرب كردفان إلا أن التقدم في جنوب كردفان له وضعه الخاص بإعتبار أن المناطق التي حررها كانت تقبع تحت سيطرة الحركة الشعبية هذا يعني أن هنالك تحول كبير على صعيد العمليات العسكرية فالحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو تمر بفترة من أعقد المراحل منذ انطلاق تمردها في جبال النوبة حيث بدأت تظهر ملامح تفكك داخلي ينذر بتغيير جذري في موازين القوة بالمنطقة فقد أشار إليَّ محدثي وهو من الذين كانوا ذي صلة وثيقة بعبد العزيز الحلو إلا أنه آثر الابتعاد عن الحركة الشعبية نسبة لإنحرافها عن أهدافها أن حركة الحلو بعد إندلاع حرب 15 أبريل 2023 إنسلخت منها أكثر من كتيبتين و أعلنت انضمامهما إلى القوات المسلحة في تقديري أن هذا لا يمثل حدث عسكري عابر إن دل إنما يدل على أزمة ثقة داخلية بدأت تستفحل ودليل ملموس على هشاشة التحالفات التي أبرمها الحلو مؤخراً لاسيما تحالفه المثير للجدل مع مليشيا الدعم السريع.

فقد بدأ عدد كبير من الجنود يتجنبون الانخراط في العمليات القتالية نتيجة شعورهم المتزايد بالخيانة من قبل القيادة التي أقحمتهم في تحالف غير مبرر مع مليشيا الدعم السريع المعروفة بانتهاكاتها الواسعة ضد إنسان المنطقة هذا الشعور العام بالخذلان ترافقه حالة من التذمر وانعدام ثقة متزايد بين القادة والمقاتلين ما يشكل تهديداً وجودياً للحركة من الداخل.

غير أن مغادرة صفوف الحركة أو الهروب من مناطق سيطرتها ليس بالأمر الهين كما أشار إليَّ محدثي نتيجة للإجراءات الأمنية المشددة التي يفرضها عبد العزيز الحلو فالحركة تنظر لأي محاولة خروج على أنها خيانة وترد عليها عادة بإجراءات صارمة بعمليات إعدام ميدانية مما يجعل الجنود بين خيارين أحلاهما مر إما البقاء تحت قيادة متصدعة ومشبوهة أو المجازفة بحياتهم للخروج من مناطق سيطرتها.

الوضع الحالي يضع القوات المسلحة أمام فرصة استراتيجية نادرة فالمقاتلون المنسلخون من الحركة لا يحملون فقط السلاح كذلك يحملون معهم معرفة دقيقة بجغرافيا المناطق التي تسيطر عليها الحركة وعلى رأسها كاودا التي ظلت عصية على القوات المسلحة لسنوات طويلة إن محدودية المداخل والمخارج في كاودا كانت دوماً عاملاً مساعداً للحركة الشعبية في الدفاع عنها غير أن انضمام هؤلاء المنسلخين يمنح الجيش مفتاحاً لفهم التضاريس وبالتالي تفادي الكمائن التي طالما نصبتها الحركة للقوات النظامية في الماضي.

هؤلاء المنسلخون يعرفون تكتيكات الحركة وأساليبها في القتال وبعضهم من القادة الميدانيين الذين تدربوا على يد عبد العزيز الحلو نفسه ويعرفون كيف يفكر خلال العمليات العسكرية وهو ما يجعلهم ورقة استخبارية وعسكرية بالغة الأهمية كما أن الحلو بحسب مصادر ميدانية لم يعد قادراً على العودة إلى كاودا منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل خوفاً من اغتيال داخلي محتمل وهو ما يعزز فرضية غيابه الفعلي عن مسرح العمليات رغم ما يبديه من محاولة للسيطرة عن بعد.

ورغم أن سيطرة الحلو على مجلس التحرير وبعض القيادات ما زالت قائمة إلا أن ذلك يعود بشكل أساسي إلى استغلاله لعائدات الذهب في شراء الولاء وهو ما جعله قادراً على قمع أي تمرد داخلي حتى الآن غير أن استمرار هذا الوضع ليس مضموناً خصوصاً في ظل تنامي السخط الشعبي وسط سكان جبال النوبةالذين يرون في تحالف الحلو مع مليشيا الدعم السريع خيانة صريحة لتطلعاتهم ومظالمهم التاريخية التي ناضلوا من أجلها لعقود.

لذلك ربما يعمل الجيش على تكريس جهوده للحفاظ على المناطق التي حررها وأن يسعى في وضع الخطط و التكتيك العسكري الذي يناسب المنطقة لا سيما و أن كاودا والمناطق المجاورة لها تتطلب معرفة دقيقة بتضاريسها فهذه هي اللحظة التي يمكن أن تعيد فيها القوات المسلحة رسم خريطة السيطرة في جنوب كردفان بدعم من سكان المنطقة الذين بدأت قناعتهم تتعزز بأن الحركة الشعبية في شكلها الحالي لم تعد تمثلهم إنما باتت عبئاً على قضيتهم.

 

دكتور/حسن شايب دنقس

مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى