مقالات

السودان تحت ضغط التحولات الأمنية العالمية بعد هجوم إسرائيل على إيران

خرطوم سبورت

السودان تحت ضغط التحولات الأمنية العالمية بعد هجوم إسرائيل على إيران

 

قرأت و اطلعت على العديد من التحليلات التي تناولت الهجوم الإسرائيلي على إيران وكلها انطلقت من زوايا تتعلق بموازين القوى في الشرق الأوسط و مستقبل المشروع النووي الإيراني وحسابات الردع بين تل أبيب وطهران غير أني أتناول هذا الحدث من منظور أكثر اتساعاً يتجاوز حدود الجغرافيا المباشرة ويأخذ في الاعتبار هشاشة الأمن الإقليمي لدولة مثل السودان التي تقف اليوم عند مفترق طرق بين التوازنات الدولية والصراعات الإقليمية فبلادنا التي يتأرجح أمنها الوطني بين الأزمات الداخلية وضغوط المحاور الخارجية لا يمكن أن تبقى محصنة أمام تداعيات هذا النوع من الضربات الاستراتيجية خاصة في ظل تصاعد دور بعض القوى في أفريقيا وتزايد نفوذ المليشيات العابرة للحدود من هنا فإن تناول الهجوم الإسرائيلي على إيران لا بد أن يتجاوز القراءة الكلاسيكية إلى فهم عميق لكيفية ارتداده على الأمن القومي السوداني وما إذا كان يشكل منعطفاً جديداً في خارطة الاصطفافات التي تعيد رسم الأمن الإقليمي من جديد فالهجوم الإسرائيلي على إيران ليس مجرد عمل عسكري محدود فهو لحظة مفصلية في تاريخ الصراعات الإقليمية التي تتجاوز حدود الشرق الأوسط لتفرض نفسها على ساحات كانت تبدو في ظاهرها بعيدة عن خط التماس كالسودان لأن التفاعلات الأمنية والسياسية والاقتصادية أضحت مرتبطة ببعضها البعض مما يؤثر على الدول الهشة فالبلاد ليست بمعزل عنها بسبب العوامل السياسية و الأمنية التي تمر بها فمن خلال قراءة إستراتيجية أجد أن بلادنا أمام ارتدادات أمنية غير مباشرة لكنها عميقة ناجمة عن تصعيد عالمي يعيد تشكيل توازنات النفوذ وخرائط الاصطفاف في وقت تريد فيه الحكومة إعادة رسم موازين القوى في المنطقة.

 

السودان ليس لاعباً مباشراً في هذا المشهد لكنه يتأثر بعمق بنتائجه أولاً بسبب موقعه الجيوسياسي كبوابة بين الخليج والقرن الأفريقي وثانياً لارتباط مليشيا الدعم السريع بتحالفات إقليمية قد تعيد ضبط إيقاعها بناءً على تطورات الصراع الإيراني الإسرائيلي فكل تصعيد في الخليج يقابله بالضرورة تحريك لأذرع النفوذ في البحر الأحمر لا سيما في المثلث الحدودي الذي أصبح ساحة مفتوحة أمام التدخلات الخارجية.

 

إن المرحلة التي تمر بها البلاد اليوم وفقدانها لجزء من السيطرة على الحدود والمجال الجوي يعزز من خطر تحول البلاد إلى مسرح خلفي لصراعات الغير لأن التحولات الأمنية العالمية ستعمل على ترتيب أولويات القوى الدولية فالولايات المتحدة الأمريكية التي ركزت مؤخراً على الخليج لمصالحها الاستراتيجية و غضت الطرف عن ما يدور في السودان و إعطاء مساحة لحلفائها في المنطقة للتحرك في المشهد السوداني لكن بعد أن حققت أمريكا أهدافها بتهديد أمن الخليج بواسطة إسرائيل بشن الهجمات ضد إيران و هذا ما يجعل دول الخليج بأن تحرك المزيد من مواردها الاقتصادية تجاه أمريكا مقابل الحماية ستتجه الولايات المتحدة الأمريكية بكلياتها تجاه السودان بسياسة جديدة ربما تطرح فيها تسوية للحكومة السودانية لإنهاء الحرب في السودان مقابل تحقيق أهدافها الاستراتيجية فأمريكا لا يمكن أن تترك فراغ يمكن أن تملأه قوى أخرى كروسيا في السودان خاصة أن الوجود الروسي في سواحل البحر الأحمر السودانية يمثل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة و لأمنها القومي و يفسر ذلك أن الحكومة السودانية إلى الآن لم تبرم اتفاقية التعاون المشترك مع روسيا بالرغم من حوجة البلاد الماسة لحليف استراتيجي لذا يجب على البلاد أن تمتلك استراتيجية متماسكة لتأمين موقعها وسط هذا الإرباك الإقليمي و العمل على وضع سيناريوهات إستراتيجية للتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية المستمرة لأن الأزمة التي تمر بها البلاد قد تتحول إلى ورقة في يد أطراف أخرى تبحث عن عمق جغرافي لتنفيذ أجندات لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية السودانية في عالم يتراجع فيه مفهوم الاستقرار الدولي وتتآكل فيه آليات الضبط الجماعي للنظام العالمي.

 

أعتقد أن الهجوم الإسرائيلي على إيران يفرض على مركز صنع القرار في السودان التفكير بطريقة تتجاوز منطق رد الفعل إلى بناء استراتيجيات تحصين داخلية تجعل السودان أقل عرضة للارتدادات الخارجية لكي لا تصبح بلادنا رهينة للعبة لا تملك أدواتها ولا تملك حتى حق الاعتراض على قواعدها فالهجوم قد وقع والموجة تتحرك وما لم يتحرك السودان وفق وعي عميق بتغير موازين القوى فسيجد نفسه من جديد ضحية لصراع لم يبدأه ولن يستطيع إيقافه.

دكتور/حسن شايب دنقس

مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى