مقالات

عثمان ميرغني يكتب: حفتر في السودان.. هل بلغنا الذروة؟

خرطوم سبورت

حفتر في السودان.. هل بلغنا الذروة؟

 

عثمان ميرغني

 

أكثر ما أثار دهشتي هو دهشة المتفاجئين بدخول قوات ليبية إلى السودان في مثلث “العوينات”، الذي يربط ثلاث دول بالسودان: مصر، ليبيا، وتشاد.

كنت أظن أن المخططين الاستراتيجيين في الجانب السوداني لديهم خارطة واضحة لنشوء حرب 15 أبريل 2023 وارتقائها، منذ انطلاق رصاصتها الأولى. فالمعروف أن لكل حرب صرخة ميلاد، ثم تدرُّج عمر يتسع فيه الصراع أفقيًا ورأسيًا، حتى يبلغ الذروة، ثم يبدأ الرسم البياني بالانحناء والتراجع على عقبيه في مسار هابط، إلى أن يصل نقطة الصفر التي بدأ منها.

 

أهمية هذا المنحنى الاستراتيجي تكمن في أنه يمنح الخبراء المختصين فرصة السيطرة على الصعود ونقطة الذروة ثم الهبوط. وبمقدور الدولة الذكية أن تجعل نقطة الذروة في أدنى ارتفاع ممكن للمنحنى، لتقصير عمر الحرب والخراب والدمار والدماء والأشلاء، وتقليص عطل التنمية.

خلال الأيام الماضية، شهد مثلث “العوينات” اشتباكات عنيفة مع قوات تتبع المشير حفتر، انتهت ببيان من القوات المسلحة السودانية يعلن إعادة تموضعها لاعتبارات دفاعية. هذه العبارة تعني، في الغالب، أن قوات الدعم السريع، بدعم من قوات حفتر، باتت تسيطر على المثلث، كله أو جله، أو جزء منه، إذ لا يزال الوضع الميداني غامضًا.

هل هذا أقصى ما وصل إليه منحنى الحرب؟ أم أن الرسم البياني لا يزال في طور الصعود؟

 

الإجابة حاسمة لأنها تكشف الرؤية التي يعتمدها المخططون الاستراتيجيون. وأفضل ما يمكن توقعه أن تكون الإجابة جاهزة منذ بداية الحرب. أما أضعف الإيمان فهو ألا يُطرح السؤال الآن، وأسوأ الحالات أن تظل الإجابة معلقة في جدال بين صناع القرار.

المعلومات المتوفرة تؤكد سيطرة الجيش السوداني والقوة المشتركة على الموقف، وأن الأمور تسير وفق إرادة الشعب السوداني. لكن ذلك لا يعني أن الصفحة طُويت في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة. بل على العكس، فُتح باب جديد لسيناريوهات كامنة خلف الأفق.

هذه المنطقة تطل على عمق الولاية الشمالية، ولا يُتصور أن تكون عرضة لتهديد مباشر، لأن ذلك قد يجرّ إلى حرب إقليمية مفتوحة، تمس الأمن القومي لدول الجوار. اللعب في هذه المنطقة أشبه بإلقاء عود ثقاب في برميل بارود، لن يكون ضحاياه من هم في مرمى البصر فحسب، بل سيمتد أثره أبعد من ذلك بكثير، مع صعوبة التعافي السريع من تبعاته.

 

الطريقة المثلى للتعامل مع الموقف هي الاعتماد على الرافعة المصرية في التواصل مع المشير حفتر. فمساحة المصالح المشتركة أوسع بكثير من أي إغراءات قد تُرسم لفرض جبهة جديدة في حرب السودان.

حتى تثبت القنوات الدبلوماسية عكس ذلك، فإن إطفاء النيران في هذه المنطقة الحساسة يُعد مكسبًا للدول المشتركة في حدود “العوينات”. لكن إذا أصر الجانب الليبي على مواصلة العدوان، فقد تنطفئ حرب السودان قريبًا، بينما تظل نيران المثلث مشتعلة بفعل أعاصير منطقة صحراوية مفتوحة يصعب السيطرة على الدخلاء فيها.

 

سيصبح المثلث منطقةً منزوعة السيطرة، تجد فيها تنظيمات إجرامية ملاذًا آمنًا عبر صفقات “السند مقابل السند”، حيث تحمي ظهر من يحميها. هذه المعادلة الإنشطارية ستجد ما يكفي من الوقود للتوسع غربًا إلى الساحل وشرقًا إلى القرن الأفريقي.

من يظن أن ما يحدث في “العوينات” هين لأنه مجرد مثلث صغير، فليعلم أن القنبلة النووية لا يزيد حجمها عن كرة قدم.

 

#حديث_المدينة الخميس 12 يونيو 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى