
ضربة إيران..
عثمان ميرغني
هجوم معلن ومكشوف نفذته إسرائيل عل إيران فجر الجمعة، يشبه إلى حد بعيد ما حدث في 5 يونيو 1967، عندما انقضت القوات الإسرائيلية على المطارات الحربية المصرية وأخرجتها من المعركة قبل أن تبدأ. لكن في حالة إيران، لم يتوقع أحد أن تكتمل العملية بهذه السهولة والسرعة. الإعلام العسكري الإيراني صوّر قدراته وتحصيناته واستعداداته لهذا اليوم بما لا يترك مجالًا للشك أن الأجواء مغلقة تمامًا، و من يقترب سيواجه ردعًا عاجلًا وموجعًا.
وبعيدًا عن السياق العسكري لما حدث أو نتائجه المباشرة على الأرض، فإن النظرة الاستراتيجية المتعلقة بالسودان هي التي ينبغي أن تتصدر أولويات اهتمامنا.
النظام الإيراني، رغم وفرة موارده الاقتصادية وقدرته على تحقيق نهضة وتنمية تتماشى مع محيطه الخليجي الثري، اختار طريقًا آخر محفوفًا بالتحديات والصعوبات. استمر على مدى عقود تهديدا مباشرا للاستقرار والسلام، بالأصالة كما حدث وما يزال في العراق وسوريا، أو بالوكالة كما يحدث في اليمن ولبنان. هذا النهج تسبب في متاعب متواصلة للعالم عامة وللشرق الأوسط خاصة.
وكل ذلك تحت غطاء الدين، الذي وجد من يصنع منه منظمات دمرت التواصل الطبيعي بين شعوب الشرق الأوسط والعالم، مثل القاعدة وداعش وغيرهما.
أُهدرت أموال كثيرة في صناعة الحروب والبؤس والفقر، بدلاً من تسخيرها لإسعاد الشعوب وتمكينها من العطاء والمنافسة مع الأمم الأخرى في تنمية الإنسانية.
في السودان، نحتاج النظر بعين الاعتبار إلى تجربة ما يُسمى بـ”الإسلام السياسي” بصورة عامة، ودراسة جدوى مباشرة لعائده على الشعب السوداني.
من خلال التجربة العملية التي مر بها السودان منذ استقلاله حتى اليوم. هل كانت تجربة الحركات الإسلامية، بمختلف مسمياتها، والتي تعتمد على ديباجة الدين دون التعويل على ارتباطها بالسلوك السياسي العام والخاص، ناضجة وأصلحت حال البلاد والعباد؟ أم أنها تسببت في صراعات أراقت الدماء، ودمرت البلاد، وأنهكت حقوق الإنسان؟
الموضوع لا يحتاج إلى جدال أو إنكار. من
حيث المبدأ، استخدام الدين كعلامة سياسية يهدم كثيرًا من مبادئ الإسلام الحنيف، وعلى رأسها العدالة، حين يتحول إلى بطاقة لتحقيق مكاسب سياسية في مواجهة طرف آخر ينتمي إلى الدين نفسه. الأمر لا يقتصر على ذلك، فقد أصبح غطاء الدين رخصة لكثير من التجاوزات التي دفع الشعب السوداني ثمنها أنهارًا من الدماء والأشلاء، فضلاً عن تعطيل التنمية وحقوق الإنسان.
الحركة الإسلامية في السودان بحاجة إلى شجاعة المراجعة والتراجع. الخطوة الأولى هي فك الارتباط بين اسمها وعلامتها السياسية وبين الإسلام. فالسودانيون جميعًا لهم الحق في الانتماء إلى الدين، بما لا يجوز لطرف سياسي أو مجتمعي أن يستخدمه أو يدعي تمثيله، أو حتى أن يقسم الملعب السياسي على أساسه. هذه الخطوة، فك الارتباط بالاسم، هي المدخل لإعادة النظر في كامل قوام الفكر الذي يفترض أن تنافس به جهة سياسية الآخرين، بدعوى الحق في مقابل الباطل. هذا يتيح تسوية الملعب السياسي على منصة واحدة، قوامها السلوك وحده، وقياسه بمعايير الدستور والقانون الذي يتراضى عليه الجميع.
من الحكمة أن تكون أحداث الجمعة بداية لمرحلة جديدة..
#حديث_المدينة – السبت 14 يونيو 2025